يقول الحق جل جلاله :﴿ألم تَرَ﴾ يا محمد ﴿إلى الذين بدَّلوا﴾ شكر ﴿نعمةَ الله كفراً﴾ ؛ بأن وضعوا الكفر مكان الشكر، أو : بدلوا نفس النعمة كفراً ؛ فإنهم لما كفروها سُلبت منهم، فصاروا تاركين لها مُحصلين للكفر مكانها ؛ كأهل مكة، خلقهم الله من نسل إسماعيل عليه السلام، وأسكنهم حَرَمه، وجعلهم خُدَّام بيته، وَوَسَّع عليهم أبواب رزقه، وعطف عليهم قلوب خلقه، وتمم شرفهم ببعْثة نبيه محمد ﷺ، فكفروا ذلك، فقحطوا، وجاعوا حتى أكلوا الميتة، وأُسروا وقُتلوا يوم بدر، وصاروا كذلك مسلوبي النعمة، موصوفين بالكفر ؛ وعن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ : أنها نزلت في الأفجريْن من قريش : بني المغيرة، وبني أمية ؛ فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين. ﴿وأحَلَّوا قومَهم﴾ : من أطاعهم في الكفر والتبديل، أي : أنزلوهم ﴿دارَ البوار﴾ : دار الهلاك، بحملهم على الكفر معهم، ثم فسرهم بقوله :﴿جهنم يصلونها﴾ : يحترقون فيها، و ﴿بئس القرارُ﴾ ؛ وبئس المستقر جهنم.
٣٧١
ثم بيَّن كفرهم، فقال :﴿وجعلوا لله أنداداً﴾ : أشباهاً وأمثالاً، يعبدونها معه، ﴿ليُضِلوا عن سبيله﴾ ؛ عن طريق التوحيد، أي : لتكون عاقبتهم الضلال أو الإضلال، على القراءتين، أي : ليضلوا في أنفسهم، أو ليضلوا غيرهم. وليس الضلال كان غرضهم في اتخاذ الأنداد، ولكن لمَّا كان نتيجته وعاقبته جُعل كالغرض. ﴿قل تمتعوا﴾ بشهواتكم الدنيوية، فإنها فانية، أو بعبادتكم الأوثان، فإنها من قبيل الهوى والأمر للتهديد. وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب ؛ لإفضائه إلى المهدد به، وان الأمرين كائنان لا محالة، فلا بد من وقوع تمتعهم، ولا بد من إفضائهم إلى النار. ولذلك علقه بقوله :﴿فإنَّ مصيرَكم إلى النار﴾، وأن المخاطب، لانهماكه فيه، كالمأمور به من آمر مطاع. قاله البيضاوي.