يقول الحق جل جلاله :﴿قل لعباديَ الذين آمنوا﴾، خصهم بالإضافة إليه ؛ تشريفاً لم، وتنويهاً بقدرهم، وتنبيهاً على أنهم الذين قاموا بحقوق العبودية. قل لهم يا محمد :﴿يُقيموا الصلاة﴾ التي هي عنوان الإيمان، بإتقان شروطها وأركانها وآدابها، ﴿ويُنفقوا مما رزقناهم﴾ من الأموال، فرضاً ونفلاً، ﴿سراً وعلانيةً﴾ أي : مُسرين ومعلنين، أو في سر وعلانية، والأحب : إعلان الواجب، وإخفاء المُتَطَوَّع به، إلا في محل الاقتداء لأهل الإخلاص. ﴿من قبل أن يأتي يومٌ لا بيع فيه﴾ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره، أو ما يفدي به نفسه، ﴿ولا خلالٌ﴾ : ولا مخاللة ومودة تنفع في ذلك اليوم، حتى ينفع الخليلُ خليلَه، وإنما العملُ الصالح، كالإنفاق لوجه الله، وإقام الصلاة، وغير ذلك.
الإشارة : قد مدح الله هاتين الخصلتين : الصلاة والإنفاق، وأمر بهما في مواضع من القرآن ؛ لأنهما عنوان الصدق، أحدهما، عمل بدني، والآخر : عمل مالي. أما الصلاة فإنها طهارة للقلوب، واستفتاح لباب الغيوب، وهي محل المناجاة ومعدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار، وتُشرق فيها شوارق الأنوار، كما في الحِكَم. وفي بعض الأخبار :(إن العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الله الحُجُبَ بينه وبينه، وواجهه بوجهه، وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء، يُصلون بصلاته، ويُؤَمَّنُونَ على دعائه، وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه، ويناديه مناد : لو يعلم المناجي من يناجي ما انفتل). وإن أبواب السماء لتفتح للمصلي. وإن الله تعالى يباهي ملائكته بصفوف المصلين. وفي التوراة : يا ابن آدم لا تعجز ان تقوم بين يَدَيَّ مصلياً باكياً، فأنا الذي اقتربتُ من قلبك، وبالغيب رأيتَ نوري. هـ. فكانوا يرون أن تلك المراقبة والبكاء، وتلك الفتوح التي يجدها المصلي في قلبه من دنو الرب من القلب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٢


الصفحة التالية
Icon