الإشارة : الله الذي أنزل من سماء الملكوت علوماً وأسراراً، تحيا به القلوب والأرواح، فأخرج به من أرض النفوس، ثمرة اليقين والطمأنينة، رزقاً لأرواحكم. وسخر لكم فلك الفكرة تجري في بحر التوحيد، وفضاء التفريد بأمره. وسخر لكم أنهار العلوم، منها ما هو علم الرسوم لأصلاح الظواهر، ومنها ما هو علم الحقائق لإصلاح الضمائر. وسخر لكم شمس العرفان وقمر الإيمان، دائبين، يستضيء بقمر التوحيد في السير إلى معرفة أنوار الصفات، وبشمس العرفان إلى أسرار الذات. وسخَّر لكم ليل القبض لتسكنوا فيه، ونهار البسط، (لا تدرون أيهم أقرب نفعاً). وآتاكم من كل ما سألتموه حين كمل تهذيبكم، وصح وصلكم، فيكون أمركم بأمر الله. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصُوها ؛ إذ نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد لا حدَّ لهما في هذه الدار وفي تلك الدار، ففي كل نَفَس يمدهم بمَددٍ جديد، ومع هذا كله يغفل العبد عن هذه النعم!! إن الإنسان لظلوم كفار، وشكرها : نسبتها لمعطيها، وحمد الله عليها. وفي الحكم :" لا تدهشك واردات النعم عن القيام بحقوق شكرك ؛ فإنَّ ذلك مما يحط من وجود قدرك ".
قال سهل بن عبد رضي الله عنه : ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من الأولى، لأن الشكر يستوجب المزيد. وفي أخبار داود عليه السلام أنه قال : إلهي، ابنُ آدمَ ليس فيه شعرة إلا وتحتها نعمة، وفوقها نعمة، فمن أين يكافئها ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا داود، إني أُعْطِي الكثير وأرْضَى باليسير، وإنَّ شكر ذلك أن تعلم أن ما بك من نعمة فمني. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٣
٣٧٥


الصفحة التالية
Icon