يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿إذْ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد﴾ يعني : مكة، ﴿آمناً﴾ لمن فيها من أغدرة الناس عليها، أو من الخسف والعذاب، أو من الطاعون والوباء، ﴿واجنُبني﴾ أي : امنعني واعصمني، ﴿وبَنيَّ﴾ من بعدي، من ﴿أن نعبد الأصنامَ﴾ أي : اجعلنا منهم من جانب بعيد. قال البيضاوي : وفيه دليل على أن العصمة للأنبياء بتوفيق الله وحفظه إياهم، وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذريته، وغم ابن عيينة أن أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم، محتجاً به، وإنما كانت لهم حجارة يدورون بها، وسمونها الدوار، ويقولون : البيت حجر، وحيثما نصبت حجراً فهو بمنزلته. هـ. قال ابن جزي : و ﴿بَنِيَّ﴾ يعني : من صُلبه، وفيهم أجيبت دعوته، وأما أعقاب بنيه فعبدوا الأصنام. هـ. وقد قال في الإحياء : عنى إبراهيمُ عليه السلام بالأصنام، الذهب والفضة، بمعنى : حبهما والأغترار بهما، والركون إليهما. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ والدِّرْهَم... " الحديث ؛ لأن رتبة النبوة أجل من أن يُخْشى عليها أن تعتقد الألوهية في شيء من الحجارة. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
قلت : الظاهر أن يبقى اللفظ على ظاهره، في حقه وفي حق بنيه. أما في حقه فلسعة علمه وعدم وقوفه مع ظاهر الوعد، كما هو شأن الأكابر، لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، وهذا كقوله :﴿وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً﴾ [الأنعام : ٨٠]. وتقدم هذا المعنى مراراً. وأما في حق بنيه فإنما قصد العموم في نسله لكن لم يجب إلا فيما كان صلبه ؛ فإن دعاء الأنبياء ـ عليهم السلام ـ لا يجب أن يكون كله مجاباً، فقد يُجابون في أشياء، ويُمنعون من أشياء. وقد سأل نبينا ﷺ لأمته أشياء، فأجيب
٣٧٦
في البعض، ومُنع البعض، كما في الحديث.


الصفحة التالية
Icon