ثم إن جرهم رأوا طيوراً تحوم، فقالوا : لا طيور إلا على الماء. فقصدوا الموضع، فوجدوها مع ابنها، وعندها عين، فقالوا لها : أتشركيننا في مائك، ونشركك في ألباننا ؟ ففعلت. وفي حديث البخاري :" قالوا لها : أتحبين أن نسكن معك ؟ قالت : نعم، ولكن لا حق لكم في الماء " فرحلوا إليها، وسكنوا معها، ثم زوجوا ولدها منهم. وحديث إتيان إبراهيم يتعاهد ابنه، وبنائهما الكعبة، مذكور في البخاري والسَّيَر.
ثم قال :﴿ربنا ليُقيموا الصلاة﴾ أي : ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق، إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم. وتكرير النداء وتوسيطه، للإشعار بأنها المقصود بالذات من إسكانهم ثَمَّةَ. والمقصود من الدعاء : توفيقهم لها، وقيل : اللام للأمر، وكأنه طلب منهم الإقامة، وسأل من الله أن يوفقهم لها. ﴿فاجعل أفئدة من الناس﴾ أي : اجعل أفئدة من بعض الناس، ﴿تهوي إليهم﴾ أي : تسرع إليهم شوقاً ومحبة، و " من " : للتبعيض، ولذلك قيل : لو قال : أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولحجت اليهودُ والنصارى. وقيل : للبيان، أي : أفئدة ناسٍ. ﴿وارزقهم من الثمرات﴾ مع كونهم بوادٍ لا نبات فيه، ﴿لعلهم يشكرون﴾ تلك النعمة، فأجاب دعوته، فجعله حرماً آمناً تُجبى إليه ثمرات كل شيء، حتى أنه يوجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية، في يوم واحد.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
ربنا إنك تعلم ما نُخفي وما نُعلن﴾
أي : تعلم سرنا، كما تعلم علانيتنا. والمعنى : إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا، وأرحم منا بأنفسنا، فلا حاجة لنا إلى الطلب، لكننا ندعوط إظهاراً لعبوديتك، وافتقاراً إلى رحمتك، واستجلاباً لنيل ما عندك. قاله البيضاوي : أي : فيكون مناسباً لحاله في قوله :" علمه بحالي يُغني عن سؤالي ". وقيل : ما نُخفي من وَجْدِ الفرقة، وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليه. وتكرير النداء ؛ للمبالغة في التضرع
٣٧٨


الصفحة التالية
Icon