وقال القشيري : أخبر عن صدق توكله وتفويضه، أي : أسكنت قوماً من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع، عند بيتك المحرّم. وإنما رد الرِّفق لهم في الجِوارِ فقال :﴿عند بيتك المحرم﴾، ثم قال :﴿ليقيموا الصلاة﴾. أي : أسكنتُهم لإقامة حقَّكَ، لا لِطَلَبِ حظوظهم. ويقال : اكتفى بأن يكونوا في ظلال عنايته، عن أن يكونوا في ظلال نعيمهم، ثم قال : قوله :﴿بوادٍ غير ذي زرع﴾ أي : أسكنتُهم هذا الوادي، ولا متعلق من الأغيار لقلوبهم، ولا متناول لأفكارهم وأسرارهم، فهم مطروحون ببابِكَ مُقيمون بحضرتك، جار فيهم حُكمك، إن رَاعَيتَهُم كَفَيْتَهم، وكانوا أعَزَّ خلقِ اللهِ، وإن أقصيتهم وأوبقتهم كانوا أضعف وأذلَّ خَلْقِكَ. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
وقوله تعالى :﴿فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم﴾ : قال القشيري : ليشتغلوا بعبادتك، فأفُرد قوماً يقومون لهم بكفايتهم، وارزقهم من الثمرات، فإنَّ من قام بحقِّ الله قام الله بحقِّه. فاستجاب الله دعاءَه فيهم، فصارت القلوبُ من أهل كل بَر وبحرٍ كالمجبولة على محبة ذلك البيت، ومحبة أولئك المصلين من سُكانه. وقال الورتجبي : سأل أن يجعلهم مرادي جلاله وجماله، ويجعلهم آية الصادقين والعاشقين، بقوله :﴿فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم﴾، تميل بوصف الإرادة والمحبة لك، والاقتداء بهم في إقامة سُنتك، وألبسهم لباس أنوارك، وألق في قلوب خلقك محبتهم بمحبتك. هـ. ومعنى
٣٧٩
قوله : مرادي جلاله وجماله : أي : مظهراً لجلاله وجماله، يعشقهم البَرُّ والفاجر، والكامل والناقص، فقد ظهر فيهم الجلال والجمال. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥
قلت :(لسميعُ الدعاء) : من إضافة أمثلة المبالغة إلى مفعوله، أي : لسميع دعاء من دعاءه. و(من ذريتي) : عطف على مفعول " اجعل "، أي : اجعلني وبعض ذريتي مقيمين للصلاة.


الصفحة التالية
Icon