يقول الحق جل جلاله : حاكياً عن خليله عليه السلام :﴿الحمدُ لله الذي وهبَ لي على الكِبَر﴾ أي : مع كبر سني عن الولد، ﴿إسماعيل وإسحاق﴾، رُوي أنه وُلد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة، وإسحاق لمائة وثنتي عشرة سنة، وقيل : غير ذلك. وإنما ذكر كبر سنه ؛ ليكون أعظم في إظهار النعمة، وإظهاراً لما فيه من الآية، ولذلك قال :﴿إنَّ ربي لسميعُ الدعاء﴾ أي : يجيب من دعاه، من قولك : سمع الملك كلامي، إذا اعتنى به. وفيه إشعارٌ بأنه تقدم بأنه تقدم منه سؤال الولد، فسمع منه، وأجابه حين وقع اليأس منه، ليكون من أجلِّ النعم وأجلاها.
ثم طلب الاستقامة له ولولده بقوله :﴿ربِّ اجعلني مقيم الصلاة﴾ أي : مُتقناً لها، مواظباً عليها، ﴿ومن ذريتي﴾ فاجعل من يُقيمها. والتبعيض ؛ لعلمه بالوحي أنَّ مِنْ ولده من لا يقيمها، أو باستقرار عادته في الأمم الماضية أن منهم من يكون كفاراً. ﴿ربنا وتقبل دعاء﴾ أي : استجب، أو تقبل عبادتي. ﴿ربنا اغفر لي ولوالدي﴾، وكان هذا الدعاء قبل النهي، أو قبل تحقق موتهما على الكفر، أو يريد آدم وحواء. ﴿وللمؤمنين يوم يقول الحسابُ﴾ أي : يثبت ويتحقق وجوده، مستعار من القيام على الرِّجل، كقولهم : قامت الحرب على ساق. أو يقوم إليه أهله، فحذف المضاف، أي : يقوم أهل الحساب إليه، وأسند إليه قيامهم ؛ مجازاً.
الإشارة : إتيان النسل البشري، أو الروحاني، من أجلِّ النعم وأكملها على العبد، وفي الحديث :" إذَا مَاتَ العَبْدُ انْقََطََعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثَلاثٍَ، صدقةٍ جَاريةٍ، أو عَلْم بَثَه في صُدُور الرِّجالِ، أو وَلدٍ صالح يدعُو له بَعدَ مَوتهِ " والولد الروحاني أتم، لتحقق استقامته في الغالب. وطلب ذلك محمود كما فعل الخليل وزكريا، وغيرهما، وقد مدح الله مَنْ فعل ذلك بقوله :﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان : ٧٤].
٣٨٠


الصفحة التالية
Icon