قال تعالى :﴿ذرهم﴾ : دعهم اليوم ﴿يأكلوا ويتمتعوا﴾ بدنياهم ﴿ويُلهِهمُ الأملُ﴾ : ويشغلهم توثقهم بطول الأعمار، واستقامة الأحوال، عن الاستعداد للمعاد، ﴿فسوف يعلمون﴾ سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاؤهم. والأمل للتهديد، والغرض : حصول الإياس من إيمانهم، والإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنَّ نصحهم بعد هذا تعب بلا فائدة. وفيه إلزام الحجة لهم. وفيه التحذير عن إيثار التنعم، وما يؤدي إليه طول الأمل من الهلاك عاجلاً وآجلاً، ولذلك قال تعالى بُعد :﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم﴾ أي : أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ، ﴿ما تسبق من أمة أجلها﴾ ؛ أي : أجَل هلاكها، ﴿وما يستأخرون﴾ عنه ساعة، وتذكير الضمير في ﴿يستأخرون﴾ ؛ للحمل على المعنى، لأن الأمة واقعة على الناس. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٧
الإشارة : انظر هذا التهديد العظيم، والخطر الجسيم لمن تمتع بدنياه، وعكف على حظوظه وهواه :﴿ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون﴾. ولله در القائل :
تَفَكَّرتُ فِي الدُّنيا وفي شَهَواتِها
ولَذاتِها حَتَّى أَطَلْتُ التَّفَكُّرَا
وَكيْفَ يَلَذُّ العَيشُ مَنْ هُو سَالِكٌ
سَبِيلَ المَنَايا رائِحا أوْ مُبكِّرا
فَلاَ خَيْرَ في الدُّنْيَا ولاَ في نَعِيِمهَا
لحُرِّ مقلِّ كانَ أوْ مُكْثِرا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٧