يقول الحق جل جلاله :﴿وقالوا﴾ ؛ أي : كفار قريش :﴿يا أيها الذين نُزِّل عليه الذكْرُ﴾ في زعمه، أو قالوه تَهكماً، ﴿إنك لمجنون﴾ أي : إنك لتقول قول المجانين، حين تدعي أنه ينزل عليك الذكر، أي : القرآن. ﴿لَوْ مَا﴾ : هلا ﴿تأتينا بالملائكة﴾ ليصدقوك فيما تدعي، أو يعضدوك على الدعوى، أو للعقاب على تكذيبنا ﴿إن كنت من الصادقين﴾ في دعواك، قال تعالى :﴿ما نُنزّلُ الملائكة﴾ ؛ لعذابهم أو لغيره ﴿إلا بالحق﴾ من الوحي، والمصالح التي يريدها الله، لا باقتراح مقترح، أو اختبار كافر، أو : إلا تنزيلاً ملتبساً بالحق، أي : بالوجه الذي قدره في الأزل، واقتضته الحكمة الإلهية، وهو أنه لا تنزل إلا
٣٨٨
باستئصال العذاب، وقد سبق في العلم القديم أن من ذريتهم من سبقت كلمتنا له بالإيمان، أو يراد بالحق : العذاب، ويؤيده قوله :﴿وما كانوا إذاً منظَرين﴾ ؛ أي : ولو نزلت الملائكة لعوجلوا، وما كانوا، إذا نزلت، مُؤخرين عن العذاب ساعة.
ثم رد إنكارهم نزولَ الذكر واستهزاءَهُمْ فقال :﴿إنا نحن نزلنا الذَّكَر﴾ ؛ أي : القرآن، وأكده بأن وضمير الفصل، وحفظه بعد نزوله، كما قال :﴿وإنا له لحافظون﴾ من التحريف، والزيادة، والنقص، بأن جعلناه معجزاً، مبايناً لكلام البشر، لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان. قال القشيري : نزل التوراة، وَوَكَلَ حفظها إلى بني إسرائيل، بما استحفظوا من كتاب الله، فحرَّفوا وبَدَّلوا، وأنزل القرآن، وأخبر أنه حافظه، فلا جرم أنه كتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ويقال : إنه أخبر أنه حافظ القرآن، وإنما يحفظه بقرائه، فقلوبُ القُرَّاءِ هي خزائنُ كتابه ؛ وهو لا يضيع حفظة كتابه، فإن في ذلك تضييع كتابه. هـ.