﴿إلا من استَرَق السمعَ﴾ أي : حفظناها من الشياطين، إلا من استرق منها. والاستراق : الاختلاس، رُوي أنهم يركبون بعضهم بعضاً حتى يصلوا إلى السماء، فيسمعون أخبار السماء من الغيب، فيخطف الجن الكلمة قبل الرمي فيلقيها إلى الكهنة، ويخلط معها مائة كذبة، كما في الصحيح. رُوي عن ابن عباس : أنهم كانوا لا يحجبون عن السماوات، فلما ولد عيسى عليه السلام مُنعوا من ثلاث سماوات، فلما وُلد محمد ﷺ مُنعوا من كلها بالشهب. وقيل : الاستثناء منقطع، أي : ولكن من استرق السمع، ﴿فأتبعه﴾ لحقه ﴿شهابٌ مبين﴾ ؛ ظاهر للمبصرين. والشهاب : شُعلة نار يقتبسها الملك من النجم، ثم يضرب به المسترق، وقيل : النجوم هي التي تضرب بنفسها، فإذا أصابت الشيطان فتلته أو خبلته فيصير غولاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٠
ثم ذكر معجزة الأرض فقال :﴿والأرضَ مددناها﴾ : بسلطناها، ﴿وألقينا فيها رواسيَ﴾ ؛ جبالاً ثوابت، ﴿وأنبتنا فيها﴾ ؛ في الأرض، أو فيها أو في الجبال ﴿من كل شيء موزونٍ﴾ ؛ مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته. فالوزن مجاز، أو ما يكون يوزن حقيقة كالعشب النافعة، أو كالذهب والفضة وسائر الأطعمة. ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ تعيشون بها من المطاعم والملابس، ﴿و﴾ خلقنا لكم ﴿من لستم له برازقين﴾ من الولدان والخدمة والمماليك، وسائر ما تظنون أنكم ترزقونهم كاذباً ؛ فإن الله يرزقكم وإياهم.
قال البيضاوي : وفذلكة الآية : الاستدلال بجعل الأرض ممدودة بمقدار معين،
٣٩١


الصفحة التالية
Icon