﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين﴾ أي : علمنا من تقدم ؛ ولادةً، ومن تأخر، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعدُ، أو من تقدم إلى الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة، ومن تأخر، لا يخفى علينا شيء من أحوالكم. وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته، فإنَّ ما يدل على كمال قدرته دليل على كمال علمه. وقيل : رغّب رسول الله ﷺ في الصف الأول، فازدحموا عليه، فنزلت، وقيل : إن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه، فتقدم بعض القوم ؛ لئلا ينظر إليها، وتأخر بعض ؛ ليبصرها، فنزلت. قاله البيضاوي :
﴿وإن ربك هو يحشرهم﴾ لا محالة للجزاء، كأن هذا هو الغرض من ذكر العلم بالمتقدمين والمتأخرين ؛ لأنه إذا أحاط بهم علماً لم تصعب عليه إعادتهم وحشرهم. ﴿إنه حكيمٌ﴾ باهر الحكمة، ﴿عليم﴾ ؛ واسع العلم والإحاطة بكل معلوم. قال البيضاوي : وفي توسيط الضمير ـ يعني في قوله :﴿هو يحشرهم﴾ ؛ للدلالة على أنه القادر والمتولي لحشرهم لا غيره، وتصدير الجملة بأن ؛ لتحقيق الوعيد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم. هـ.
الإشارة : ولقد جعلنا في سماء قلوب العارفين بروجاً، وهي المقامات التي ينزلون فيها بشموس عرفانهم، وهي : التوبة، والخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والصبر، والشكر، والرضى، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة. وزيناها للناظرين ؛ أي : السائرين حتى يقطعوها جملة محمولين بعناية الجذب، حتى يَحلو لهم ما كان مُراً على غيرهم، وحفظنا سماء قلوبهم من طوارق الشيطان، إلا ما كان طيفاً خيالياً لا يثبت، بل يتبعه شهاب الذكر فيحرقه، وأرضَ النفوس مددناها لقيام رسم العبودية، وظهور عالم الحكمة وآثار القدرة، وألقينا فيها جبال العقول الرواسي، لتعرف الرب من المربوب الذي
٣٩٣


الصفحة التالية
Icon