اقتضته الحكمة. وأنبتنا فيها من العلوم الرسيمة والعقلية، ما قدر لها في العلم المكنون، وجعلنا لكم فيها من علم اليقين، وحق اليقين ما تتقوت به قلوبكم، وتعيش به أرواحكم وأسراركم، وتعولون به من لستم له برازقين من المريدين السائرين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٠
سُئل سهل رضي الله عنه عن القوت، فقال : هو الحي الذي لا يموت، فقيل : إنما سألناك عن القوام. فقال : القوام هو العلم، فقيل : سألناك عن الغذاء، فقال : الغذاء هو الذكر، فقيل : سألناك عن طعام الجسد، فقال : ما لَكَ وللجسد، دع من تولاَّه أولاً يتولاه آخراً، إذا دخلت عليه علة رده إلى صانعه، أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها. وأنشدوا :
يَا خادِمَ الجِسْمِ كَمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ
وتَطلُب الربْحَ مما فيه خُسْرَانُ
عليك بالنفسِ فاستكمل فَضِِيلَتَهَا
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
واستكمال فضيلة النفس هو تزكيتها وتحليتها حتى تشرق عليها أنوار العرفان، وتخرج من سجن الأكوان. وبالله التوفيق. ثم قال تعالى :﴿وإن من شيء﴾ من الأرزاق المعنوية والحسية، أو العلوم اللدنية، والفتوحات القدسية ﴿إلا عندنا خزائنه﴾ ؛ فمن توجه بكليته إلينا فتحنا له خزائن غيبنا، وأطلعناه على مكنون سرنا شيئاً فشيئاً، ﴿وما نُنزله إلا بقدر معلوم﴾. وقال الورتجبي : عِلْم الإشارة في الآية : دعوة العباد إلى حقائق التوكل، وهي : قطع الأسباب، والإعراض عن الأغيار، قيل : كان الجنيد رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية :﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه﴾، قال : فأين تذهبون ؟. وقال حمدون : قطع أطماع عبيدهِ سواه بقوله :﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه﴾، فمن رفع بعد هذا حاجته إلى غيره، فهو لجهله ولؤمه. هـ.