الإشارة : اعلم أن الخمرة الأزلية، حين تجلت في مرائي جمالها، تلونت في تجليها، فتجلت نورانية ونارية، ومائية وترابية، وسماوية، وهوائية، إلى غير ذلك من ألوان تجلياتها، فكانت الملائكة من النور، والجن من النار، والآدمي من التراب، إلا أن الادمي فيه روح نورانية سماوية، فاجتمع فيه الضدان : النور الظلمة ؛ فشرف قدره في الجملة، فاستحق الخلافة، فإذا غلبت روحانيته على جسمانيته فضل على جميع التجليات، وما مثاله إلا كالمرآةِ التي خلفها الطلاءُ، فينطبع فيه الوجود بأسره، إذا صقلت مرآة قلبه، فتكون معرفته بالحق أجلى وأنصع من معرفة غيره ؛ لأن المرآة التي خلفها
٣٩٥
الطلاء يتجلى فيها ما يقابلها أكثر من غيرها. وأيضاً بشرية الآدمي كالياقوتة السوداء إذا صقلت كانت أعظم اليواقيت. وسيأتي بقية الكلام عند قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء : ٧٠] إن شاء الله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٥
قلت :(وإذْ قال) : ظرف لاذكر، وقوله :﴿فَقَعُوا﴾ : امرٌ، من وقَع، يقع، قَعْ، فهو مما حُذفت فاؤه. وقوله :(فسجد) معطوف على محذوف، أي : فخلقه، وأمر الملائكة فسجدوا.
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ اذكر يا محمد ﴿إذْ قال ربك للملائكة﴾، قبل خلق آدم :﴿إني خالق بشراً من صَلْصَالٍ من حمأٍ مسنونٍ﴾، وصفه لهم بذلك ليظهر صدق من يمتثل أمره، قال تعالى :﴿فإذا سويتُه﴾ : عدلت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها، ﴿ونفختُ في من روحي﴾ ؛ حين جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي، وأصل النفخ : إجراء الروح في تجويف جسد آخر. ولما كان الروح يتعلق أولاً بالبخار اللطيف المنبعث من القلب، وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن، جعل تعلقه بالبدن نفخاً. قاله البيضاوي. وأضاف الروح إلى نفسه إضافة ملك إلى مالك، اي : من الروح الذي هو لي، وخلق من خلقي.