لآدم صورةً، ولله حقيقة. وإبليس وقف مع الحس، وحجب بالفرق عن الجمع، فلم ير إلا حس آدم معناه، فامتنع عن السجود، وفي الحِكَم العطائية :" فمن رأى الكون، ولم يشهد الحق فيه، أو عنده، أو قبله، أو بعده، أو معه، فقد أعوزه وجود الأنوار، وحجبت عنه شموس المعارف بحب الآثار ". ولهذا المعنى صعب الخضوع للأشباح ؛ لغلبة الفرق على الناس، إلا من سبقت له العناية، فإنه يخضع مع الفرق ؛ محبة لله، حتى يفتح الله عليه في مقام الجمع، فيخضع لله وحده. والتوفيق لهذا، والسير على منهاجه ـ أعني الخضوع لمن يوصل إلى الله ـ هو الصراط الذي أشار إليه الحق تعالى بقوله :﴿هذا صراط عَلَيَّ مستقيم﴾. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٦
قلت :(إلا من اتبعك) : يحتمل ان يكون منقطعاً، ويريد بالعباد : الخصوص من أهل الإيمان والإخلاص، أي إن عبادي المخلَصين لا تسلط لك عليهم، لكن من اتبعك من الغاوين فهو من حزبك. ويحتمل الاتصال، ويريد بالعباد جيمع الناس، أي : إن عبادي كلهم ليس لك عليهم سلطان، إلا من اتبعك من أهل الغواية. فإنك تتسلط عليه بالوسوسة والتزيين والتحريض فقط، فيتبعك ؛ لقوله يوم القيامة ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم : ٢٢]. وعلى الاتصال يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى، وإلا تناقض مع قوله :﴿لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين﴾. قال أبو المعالي : كون المستثنى أكثر من المستثنى منه ليس معروفاً في كلام العرب. انظر ابن عطية والبيضاوي.


الصفحة التالية
Icon