حتى يرى ما فاته باعتبار وقوفه. قال ابن عطية : ذكر هنا نزع الغل من قلوب أهل الجنة، ولم يذكر له موطناً، وجاء في بعض الحديث أن ذلك على الصراط، وجاء في بعضها : أن ذلك على أبواب الجنة، وفي بعضها : ان الغل يبقى على أبوابها كمعاطن الإبل. ثم قال : وجاء في بعض الأحاديث : أن نزع الغل إنما يكون بعد استقراهم في الجنة. والذي يقال في هذا : أن الله ينزعه في موطن من قوم وفي موطن من آخرين. هـ.
قلت : والذي جاء في الأحاديث الواردة في أخبار الآخرة : ان أهل الجنة، إذا قربوا منها وجدوا على بابها عينين، فيغتسلون في إحداهما، فتنقلب إجسادهم على صورة آدم عليه السلام، ثم يشربون من الأخرى فتطهر قلوبهم من الغل والحسد، وسائر الأمراض، وهو الشراب الطهور. قاله القشيري في قوله تعالى ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [الإنسان : ٢١] : يقال : يُطَهَّرُهم من محبة الأغيار، ويقالُ : ويُطَهَّرُهم من الغلِّ والغِشِّ والدَّعوى... الخ ما ياتي إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم، وسترى وتعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٩
ثم قال تعالى :﴿إخواناً﴾، أي : لما نزعنا ما في صدورهم من الغل صاروا إخواناً متوددين، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، ﴿على سُرُرٍ متقابلين﴾ ؛ يقابل بعضهم بعضاً على الأسرة، لا ينظر أحد في فناء صاحبه. وقال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : المتجه أن المقابلة معنوية، وهي عدم إضمار الغل والإعراض، سواء اتفق ذلك حسّاً أم لا، ومن أضمر لأخيه غلاً فليس بمقابله، ولو كان وجهه إلى وجهه، بل ذلك أخلاقُ نفاقٍ، ولذلك شواهد بذمه لا بمدحه. هـ. ﴿لا يَمسُّهم فيها نَصَبٌ﴾ أي : تعب، ﴿وما هم منها بمخْرَجين﴾، لأن تمام النعمة لا يكون إلا بالخلود والدوام فيها. أكرمنا الله بتمام نعمته، ودوام النظر إلى وجهه آمين.