وذكر ابن عطية ان سبب نزولها : أن رسول الله ﷺ جاء إلى جماعة من أصحابه، عند باب بني شَيْبَةَ في الحرم، فوجدهم يضحكون، فزجرهم ووعظهم، ثم ولى، فجاءه جبريل عن الله، فقال : يا محمد أتُقَنِّط عبادي ؟ وتلى عليه الآية، فرجع بها رسول الله ﷺ إليهم وأعلمهم. هـ. ثم قال : ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها ؛ إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة، فأكّد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية. هـ.
قيل : وهذه الآية أبلغ ما في القرآن في إثارة الخوف والرجاء من الآي التي لا تشبهها في الإجمال ؛ لما فيها من التصريح، ثم الرجاء فيها أغلب ؛ لأجل التقديم، مع ذكره في آية الرجاء، لصفاته العلية وأسمائه الحسنى، وذلك يؤذن بالتهمم به وترجيحه، وهو مذهب الصوفية في حال الحياة والممات.
الإشارة : الخوف والرجاء يتعاقبان على الإنسان، فتاره يغلب عليه الخوف، وتارة يغلب عليه الرجاء. هذا قبل الوصول، وأما بعد الوصول فالغالب عليهم الاعتدال، قال في التنبيه : أما العارفون الموحدون فإنهم على بساط القرب والمشاهدة، ناظرون إلى ربهم، فانون عن أنفسهم، فإذا وقعوا في ذلة، أو أصابتهم غفلة، شهدوا تصريف الحق تعالى لهم، وجريان قضائه عليهم. كما أنهم إذا صدرت منهم طاعة، أو لاح منهم لائح من يقظة، لم يشهدوا في ذلك أنفسهم، ولم يروا فيها حولهم ولا قوتهم ؛ لأن السابق إلى قلوبهم ذكر ربهم، فأنفسهم مطمئنة تحت جريان أقداره. وقلوبهم ساكنة بما لاح لهم من أنواره، ولا فرق عندهم بين الحالين ؛ لأنهم غرقى في بحار التوحيد، قد استوى خوفهم ورجاؤهم، فلا ينقص من خوفهم ما يجتنبونه من العصيان، ولا يزيد في رجائهم ما يأتون من الإحسان. هـ. قلت : بل طرق الرجاء عندهم أرجح كما تقدم ؛ لأن الرجاء ناشئ عن
٤٠٢
غلبة المحبة، وهي غالبة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٢