مع أني قد كبر سني، وكان حينئذٍ من مائة سنة وأكثر، ﴿فبِمَ تُبَشِّرونِ﴾ ؟ أي : فبأي أعجوبة تبشرون ؟ أو فبأي شيء تبشرون ؟ فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء. قال ذلك على وجه التعجب من ولادته في كِبَرهِ.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٣
قالوا بشرناك بالحق﴾
: باليقين الثابت الذي لا محالة في وقوعه، فلا تستبعده، ولا تشك فيه، ﴿فلا تكن من القانطين﴾ : من الآيسين، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق بشراً من غير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ وعجوز عاقرٍ. وكان استعجاب إبراهيم باعتبار العادة، دون القدرة ؛ ولذلك ﴿قال ومن يَقْنَطُ من رحمة ربه﴾ أي : لا ييأس من رحمة ربه ﴿إلا الضالون﴾ : أي : المخطئون طريق المعرفة، فلا يعرفون سعة رحمته تعالى، وكمال قدرته، قال القشيري : أي : من الذي يقنط من رحمة الله إلا من كان ضالاً، فكيف أخطأ ظنكم بي، فتوهمتم أني أقنط من رحمة ربي ؟. هـ. وفيه دليل على تحريم القنوط ؛ قال تعالى :﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف : ٨٧].
﴿قال فما خَطْبُكم أيها المرسلون﴾ أي : ما شانكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ؟ ولعله علم ان كمال المقصود ليس هو البشارة فقط، لأنهم كانوا عدداً، والبشارة لا تحتاج إلى عدد، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم. أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال ؛ لأزالة الوجل، ولو كانت تمام المقصود لابتدروه بها. ثم أجابوه :﴿قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين﴾ ؛ يعني : قوم لوط ؛ لأن شأنهم الإجرام بفعل الفاحشة، ﴿إلا آل لوطٍ﴾ أي : لكن آل لوط لم نُرْسَل إلى عذابهم ؛ إذ ليسوا مجرمين : أو أرسلنا إلى قوم أجرموا كلهم، إلا آل لوط، لنهلك المجرمين وننجي آل لوط، ويدل عليه قوله :﴿إنا لمنجُّوهم أجمعين﴾ من العذاب الذي يهلك به قوم لوط.


الصفحة التالية
Icon