وقال الورتجبي : أَعلم الله المؤمنين والعارفين استعداد قتل أعداء الله، وسمى آلة القتال بقوة، وتلك القوة قوة الإلهية التي لا ينالها العارف من الله إلا بخضوعه بين يديه، بنعت الفناء في جلاله، فإذا كان كذلك يلبسه الله لباس عظمته ونور كبريائه وهيبته، ويغريه إلى الدعاء عليهم، ويجعله منبسطاً، حتى يقول في سره : إلهي خذهم، فيأخذهم بلحظة، ويسقطهم صرعى بين يديه بعونه وكرمه، ويسلي قلب وليه بتفريجه من شرور مُعارضيه ومنكريه، وذلك سهم رمى نفوس الهمة عن كنانة الغيرة، كما رمى نبي الله ﷺ إلى منكريه حين قال :" شاهت الوجوه " وهذا الرمي من الله بقوله :﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠
سمعت أن ذا النون المصري رضي الله عنه كان في غزو، وغلب المشركون على المؤمنين، فقيل له : لو دعوت الله، فنزل عن دابته وسجد، فهُزم المشركون في لحظة، وأُخذوا جميعاً، وأُسروا، وقُتلوا. وأيضاً : وأعدوا : أي اقتبسوا من الله قوة من قوى صفاته لنفوسكم حتى يقويكم في محاربتها. قال أبو علي الروذباري، في قوله :﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾، فقال : القوة هي الثقة بالله، قيل ظاهر الآية : إنه الرمي بسهام القِسي. وفي الحقيقة : رمي سهام الليالي في الغيب ؛ بالخضوع والاستكانة، ورمي القلب إلى الحق ؛ معتمداً عليه، راجعاً إليه عما سواه. هـ.