يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد كذَّب أصحاب الحجْرِ المرسلين﴾ ؛ هم قوم ثمود، والحِجْر : واديهم الذي يسكنونه، وهو بين المدينة والشام، كذبوا صالحاً عليه السلام، ومن كذَّب واحداً من الرسل فكأنما كذَّب الجميع ؛ لأنهم جاؤوا بأمر متفق عليه، وهو التوحيد أو يراد به الجنس، كما تقول : فلان يركب الخيل، وإنما يركب فرساً واحداً، أو يراد به صالح ومن معه من المؤمنين ؛ لموافقتهم له فيما يدعو له. ﴿وآتيناهم آياتنا﴾ يعني : الناقة، وما كان فيها من العجائب، كسقيها وشربها ودرها، أو ما نزل على نبيهم من الكتب، أو ما نصب لهم من الأدلة. ﴿فكانوا عنها معرضين﴾ : لم ينظروا فيها، ولم يعتنوا بأمرها.
﴿وكانوا ينحتون﴾ : يصنعون، والنحت : النقر بالمعاول في الحجر والعود وشبهه، فكانوا يتخذون ﴿من الجبالِ﴾ ؛ بالنقر فيها، ﴿بيوتاً﴾ يسكنونها ﴿آمنين﴾ من الانهدام، ونقب اللصوص، وتخريب الأعداء ؛ لوثوقها. أو من العذاب ؛ لفرط غفلتهم، أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه. ﴿فأخذتهم الصيحةُ مصبحين﴾ : داخلين في وقت الصباح، ﴿فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون﴾ من بناء البيوت الوثيقة، واستكثار الأموال والعدد.
الإشارة : من علامة الغفلة عن الله : الإنكار على أولياء الله، والإعراض عما خصهم الله تعالى به من الآيات وخوارق العادات، كالعلوم اللدنية والمواهب القدسية، وكمال المعرفة، والرسوخ في اليقين، وشهود رب العالمين مع الأشغال بعمارة هذه الدار، ونسيان دار القرار ؛ كأنه أمن من الموت ؛ من شدة الاغترار. وسبب ذلك : عدم التفكر
٤٠٩
والاعتبار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩