يقول الحق جل جلاله :﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما﴾ من الكائنات ﴿إلا بالحقِّ﴾ أي إلا خلقاً ملتبساً بالحق، وهو الدلالة على كمال قدرتنا وباهر حكمتنا، فمن كمال القدرة : إهلاك أهل الفساد، ودفع شرورهم وإبطال فسادهم، ومن باهر حكمته أنه لم يهلكهم إلا بسبب عتوهم وفسادهم. فالحكمة رداء للقدرة، وترتيبها على أسباب وشروط يدل على باهر الحكمة. ومن مقتضيات الحكمة : ترتيب الجزاء على العمل، بحيث لا يهمل عملاً، فأهل الإكرام يترتب إكرامهم وإنعامهم على عملهم الصالح، واعتقادهم الصحيح، وما قاسوه من المجاهدة والمكابدة. وأهل الانتقام يترتب منهم على عملهم الفاسد، واعتقادهم الباطل، وعلى ما قالوا في الدنيا، التي هي مزرعة الآخرة، من الدعة والحظوظ الفانية، ولذلك رتَّب عليه قوله :
﴿وإنَّ الساعة لآتيةٌ﴾ فيجازي فيها من يستحق الإكرام، ويعاقب من يستحق الانتقام، وينتقم لك فيها ممن يكذبونك، ﴿فاصفح﴾ اليوم ﴿الصفحَ الجميل﴾ ولا تعجل بالانتقام، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. وكان هذا قبل الأمر بالقتال. ﴿أنَّ ربك هو الخلاق﴾ الذي خلقك وخلقهم، وبيده أمرك وأمرهم، ﴿العليمُ﴾ بحالك وبحالهم، فهو الحقيق بأن تنكل عليه حتى يحكم بينك وبينهم. أو : هو الخلاق لأشباحكم وأرواحكم، العليم بما هو الأصلح لكم في وقت، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح. والخلاق أبلغ من الخالق باعتبار اللغة، وأفعال الله تعالى كلها عظيمة كثيرة.


الصفحة التالية
Icon