الإشارة : يقال للعايد، أو الزاهد : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، تتمتع بحلاوته، وبالتجهد بتلاوته، ففيه كفايتك وغناك، فلا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أصنافاً من أهل الدنيا، الراغبين فيها، المشتغلين بها عن عبادة خالقها. قيل : لما نزلت هذه الآية قال ﷺ :" إياكم والنظر في أبناء الدنيا، فإنه يقسي القلب ويورث حب الدنيا، ولا تكثروا الجلوس مع أهل الثروة، فتميلوا لزينة الدنيا ؛ فوالله لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها جرعة ماء " وقال ﷺ :" من تواضع لغني لأجل غناه اقترب من النار مسيرة سنة، وذهب ثلثا دينه " هذا إن تواضع بجسمه فقط، فإن تواضع بجسمه وقلبه ذهب دينه كله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٠
ويقال للعارف : ولقد آتيناك شهود المعاني، وغيبناك عن حس الأواني، حتى شهدت المتكلم بالسبع المثاني، فسمعت القرآن من مُنزله دون واسطة. وذلك بالفناء، عن الوسائط، في شهود الموسوط، حتى يفنى عن نفسه في حال قراءته.
ويقال له : لا تمدن عينيك إلى شهود الحس، ولا إلى ما متعنا به أصنافاً من أهل الحس، الواققين مع شهود الحس ؛ فإن ذلك يحجبك عن شهود المعاني القائمة بالأواني، بل المفنية للأواني عند سطوع المعاني. ولا تحزن عليهم حيث رايتهم منهمكين في الحس ؛ فإن قيام عالم الحكمة لا يكون إلا بوجود أهل الحس، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين بخصوصيتك، وقل : إني أنا النذير المبين من الاشتغال بالبطالة،
٤١٤
والغفلة، حتى ينزل بأهلهما ما نزل على المقتسمين، الذين جعلوا القرآن عضين ؛ اجزاء متفرقة ؛ فما كان فيه مما يدل على التسهيل لجواز جمع الدنيا واحتكارها والاشتغال بها أخذوا به، وما كان فيه مما يدل على الزهد فيها، والانقطاع إلى الله عنها، والتجريد عن أسبابها، رفضوه. فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون.


الصفحة التالية
Icon