الإشارة : وإن مالت النفس وجنودها إلى الصلح مع صاحبها ؛ بأن ألقت السلاح، ومالت إلى فعل كل ما فيه خير وصلاح، وعقدت الرجوع عن هواها، والدؤوب على طاعة مولاها، فالواجب عقد الصلح معها، وتصديقها فيما تأمر به أو تَنْهَى عنه، مما يرد عليها، مع التوكل على مولاها، فإن خدعت بعد ذلك، أو رجعت إلى مألوفها، فالله يكفي
٤٢
أمرها، ويقوي صاحبها على درها، إما بسبب شيخ كامل، أو أخ صالح، فإن الصحبة فيها سر كبير، لا سيما مع أهل الصفاء، الذين صفت قلوبهم، وألف الله بينهم بالمحبة والوداد، وحسن الظن والاعتقاد، وإما بسابق عناية ربانية وقوة إلهية. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢
قلت :(حسبك) : مبتدأ، و(الله) : خبر، ويصح العكس، و(من اتبعك) : إما عطف على (الله)، أي : كفاك الله والمؤمنون، أو في محل نصب على المفعول معه، أو في محل جر ؛ عطف على الضمير، على مذهب الكوفيين، أي : حسبك وحسب من اتبعك الله، والأول : أصح.
يقول الحق جل جلاله :﴿يا أيها النبي حَسْبُكَ الله﴾ أي : كافيك الله، فلا تلتفت إلى شي سواه، أي : لَمّا مَنَنْتُ عليك بائتلاف قلوب المؤمنين في نصرتك، فلا تلتفت إليهم في محل التوحيد، فإني حسبك وحدي بغير معاونة الخلق، فينبغي أن تفرد القدم عن الحدوث في سيرك مني إليَّ، وأنا حسب المؤمنين عن كل ما دوني، وإن كان مَلَكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، ولا ينبغي في حقيقة التوحيد النظر إلى غيري، إنما أيدتك بواسطة المؤمنين، وذَكَرتُهم معي ؛ تشريفاً لأمتك، وستراً لقدرتي، وإظهار لكمال حكمتي، وإلا فقدرتي لا يفوتها شيء، ولا تتوقف على شيء ؛ " جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل ".
قال البيضاوي : نزلت الآية تأييداً في غزوة بدر، وقيل : أسلم مع النبي ﷺ ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة، ثم أسلم عمر رضي الله عنه. فنزلت. ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في إسلامه.


الصفحة التالية
Icon