يقول الحق جل جلاله :﴿وإنْ﴾ أتاك ﴿أحدٌ من المشركين﴾ المأمورين بالتعرض لهم، حيثما وجدوا، ﴿استجاركَ﴾ ؛ يطلب جوارك، ويستأمنك، ﴿فأجِرْهُ﴾ أي : فأمنهُ ؛ ﴿حتى يسمع كلامَ الله﴾ ويتدبره، ويطلع على حقيقة الأمر، لعله يُسلم، ﴿ثم أبلغه مأمنه﴾ أي : موضع أمنه إن لم يسلم، ولا تترك أحداً يتعرض له حتى يبلغ محل أمنه ؛ ﴿ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون﴾ أي : ذلك الأمر الذي أمرتك به بسبب أنهم قوم لا علم لهم بحقيقة الإيمان، ولا تدعوهم إليه، فلا بد من إيجارهم، لعلهم يسمعون ويتدبرون ؛ فيكون ذلك سبب إيمانهم.
٥٥
الإشارة : وإن استجارك ـ أيها العارف ـ أحد من عوام المسلمين ممن لم يدخل معكم بلاد الحقائق، وأراد أن يسمع شيئاً من علوم القوم، فأجره حتى يسمع شيئاً من علومهم وأسرارهم، فلعل ذلك يكون سبباً في دخوله في طريق القوم. ولا ينبغي للفقراء أن يطردوا من يأتيهم من العوام، بل يتلطفوا معهم، ويسمعوهم ما يليق بحالهم ؛ لأنَّ العوام لا علم لهم بما للخواص، فإن اطلعوا على ما خصهم الله به من العلوم دخلوا معهم، إن سبق لهم شيء من الخصوصية.
وقال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه : لا ينبغي لأهل الخصوصية أن يدخلوا بلد العموم إلا في جوار أحد منهم، وإلاّ أنكرته البلد ؛ لأن البلد أم تغير على غير أبنائها، ولا ينبغي أيضاً للعموم أن يدخلوا بلد الخصوص إلا في جوار رجل منهم، وإلا أنكرته البلد. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٥
قلت :(إلا الذين) : محله النصب على الاستثناء، أو جر على البدل من المشركين، أو رفع على الانقطاع، أي : لكن الذين عاهدتم فما استقاموا لكم، و (الإل) : القرابة والحِلف، وحذف الفعل في قوله :(كيف وإن يظهروا عليكم) ؛ للعلم به بما تقدم، أي : كيف يكون لهم عهد والحال أنهم إن يظهروا عليكم... الخ.