يقول الحق جل جلاله : في استبعاد العهد من المشركين والوفاء به :﴿كيف يكونُ للمشركين عهدٌ عند الله وعندَ رسوله﴾ ؟ مع شدة حقدهم وعداوتهم للرسول وللمسلمين، مع ما تقدم لهم من النقض والخيانة فيه، ﴿إلا الذين عاهدتُّم عند المسجد الحرام﴾ قيل : هم المستثنون قبلُ. وقال ابن اسحاق : هي قبائل بني بكر، كانوا دخلوا وقت الحديبية، في المدة التي كانت بين رسول الله ﷺ وبين قريش، فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر، فأُمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض. وقال ابن عباس : هم قريش، وقال مجاهد : خزاعة، وفي القولين نظر ؛ لأن قريشاً وخزاعة كانوا أسلموا
٥٦
وقت الأذان ؛ لأنهم أسلموا في الفتح، والأذان بعده بسنة.
قال تعالى في شأن من استثنى :﴿فما استقاموا لكم﴾ على العهد ولم يغدروا، ﴿فاستقيمُوا لهم﴾ على الوفاء، أي : تربصوا بهم وانتظروا أمرهم، فإن استقاموا لكم فاستقيموا لهم، ﴿إِن الله يحب المتقين﴾ الذين إذا عاهدوا وفوا، وإذا قالوا صدقوا.
ثم كرر استبعاد وفائهم فقال :﴿كيف﴾ يصح منهم الوفاء بعهدكم ﴿و﴾ هم ﴿إن يظهرُوا عليكم﴾ ويظفروا بكم في وقعة ﴿لا يرقُبوا﴾ أي : لا يراعوا ﴿فيكم إلاَّ﴾ ؛ قرابة أو حلفاً، وقيل : ربوبية، أي : لا يراعون فيكم عظمة الربوبية ولا يخافون عقابه، ﴿ولا ذمَّةً﴾ أي : عهداً، أو حقاً يعاب على إغفاله، ﴿يُرضونكم بأفواههم﴾ ؛ بأن يعدوكم بالإيمان والطاعة، والوفاء بالعهد، في الحال، مع استبطان الكفر والغدْر، ﴿وتأبى﴾ أي : تمنع ﴿قلوبهم﴾ ما تفوه به أفواههم، ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ متمردون، لا عقيدة تزجرهم، ولا مروءة تردعهم، وتخصيص الأكثر ؛ لما في بعض الكفرة من التمادي على العهد، والتعفف عما يجر إلى احدوثة السوء. قاله البيضاوي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦