وذلك الفريق الذي كره خروجك للقتال ﴿يُجادلونك في الحق﴾ أي : يخاصمونك في إيثارك الجهاد لإظهار الحق، حيث أرادوا الرجوع للمدينة، وقالوا : إنا لم نخرج لقتال، قالوا ذلك ﴿بعد ما تَبَيّن﴾ لهم أنهم منصرون أينما توجهوا، بإعلام الرسول لهم، لكن الطبع البشري ينزع إلى مواطن السلامة ﴿كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون﴾ أي : يكرهون القتال كراهة من يُساق إلى الموت، وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم، إذ رُوي أنهم كانوا رجّالة، وما كان فيهم إلا فارسان، وذلك أن رسول الله ﷺ لم يخرج لقصد الجهاد، وإنما لملاقاة عير قُرَيْش، لمّا سمع أنها قدمت من الشّام، وفيها تجارةٌ عَظيِمةٌ، ومعها أربعُون رَاكباً، فيهم أَبُو سُفْيان، وعمرو بنُ العاص، ومخرفة بن نوفل، وعمروبن هِشَام، فأراد رَسُول اللَّه ﷺ أن يتعرض لها ويأخذها غنيمة، حيث أخبره جبريلُ بقدومها من الشام، فأخبرَ رسولُ الله ﷺ المسلمين، فأعْجَبَهُم تلقيها، لكثرةِ المال وقلةِ الرجالِ، فلما خرجُوا، بَلَغ الخبرُ أبا سفيان، فسلك بالعير طريق السَاحِل، واستأجر من يذهب إلى مكة يستنفرها، فلما بلغهم خروج رسول الله ﷺ لعيرهم، نادى أبو جهل فوق الكعبة : يا أهل مكة، النَّجَاء، النجاء على كل صَعْبٍ وذَلُولٍ، عِيرُكُمْ وأَمْوالكم إن أصَابَهَا مُحَمَّدٌ لن تُفْلِحُوا بعدها أبداً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥