جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٦
يقول الحق جل جلاله للمؤمنين :﴿قاتِلوا﴾ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ﴿الذين لا يؤمنون بالله﴾ على ما يجب له، لإشراكهم عُزير وعيسى، ولتجسيمهم، ﴿ولا باليوم الآخر﴾ ؛ لأنهم ينكرون المعاد الجسماني، فإيمانهم في الجانبين كلا إيمان ﴿ولا يحرِّمون ما حرَّمَ الله ورسولُه﴾ محمّد ﷺ ؛ لأنهم يحلون الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير، وغير ذلك مما حرمته الشريعة المحمدية، ﴿ولا يَدينونَ دينَ الحق﴾ أي : لا يدخلون في الإسلام، الذي هو الدين الحق، الناسخ لسائر الأديان ومبطلها.
ثم بيَّن الذين أّمر اللَّهُ بقتالهم بقوله :﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ ؛ وهم اليهود والنصارى، وحين نزلت خرج رسول الله ﷺ لغزوة تبوك لقتال النصارى، ووصل إلى أوائل بلد العدو، فصالح أهل أدرج وأيلة، وغيرهما، على الجزية وانصرف، ذلك امتثال للآية.
قال تعالى :﴿حتى يُعطوا الجزبة﴾ أي : ما تقرر عليهم أن يعطوه، وقدْرها عند مالك : أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الورق، يؤخذ ذلك من كل رأس، واتفق العلماء على قبول الجزية من اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس ؛ لقوله ﷺ :" سُنُّوا بِهِمْ سُنًّةَ أَهْلِ الكتاب " لأن لهم شبهة كتاب، فألحقوا بهم. واختلفوا في قبولها من عَبدة الأوثان ؛ قال مالك : تؤخذ من كل كافر إلا المرتد، ولا تؤخذ من النساء والصبيان والمجانين.
وقوله تعالى :﴿عن يدٍ﴾ أي : يباشر إعطاءها بيده، لا يبعثها مع أحد، أو لا يمطل بها، كقولك : يداً بيد، أو عن استسلام وانقياد، كقولك : ألقى فلان بيده. ﴿وهم صاغرون﴾ ؛ أذلاء محقرون. وعن ابن عباس رضي الله عنه : تؤخذ الجزية من الذمي، وتوجأ عنقه، أي : تصفع.