يقول الحق جل جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموالَ الناس بالباطل﴾ ؛ يأخذونها بالرشا في الأحكام، وسَمى أخذ المال أكلاً ؛ لأنه الغرض الأعظم منه، ﴿ويصدون عن سبيل الله﴾ أي : يعوقون الناس عن الدخول في دينه، ﴿والذين يكنزون الذهبَ والفِضةَ﴾ أي : يدخرونها ﴿ولا يُنفقونها﴾ أي : الأموال المفهومة من الذهب والفضة، أو الكنوز، أو الفضة، واكتفى بذكرها عن الذهب ؛ إذ الحُكم واحد، ﴿فبشِّرهم بعذاب أليم﴾ ؛ وهو الكي بها، وهذا الحكم يحتمل أن يرجع لكثير من الأحبار والرهبان، فيكون مبالغة في وصفهم، بالحرص على المال وجمعه، وأن يراد به المسلمون الذين يجمعون الأموال، ويقتنونها ولا يؤدون حقها، ويكون اقترانه بأكلة الرشا من أهل الكتب ؛ للتغليظ. ويدل عليه : أنه لما نزلت على رسول الله ﷺ، ذكر ذلك عمر لرسول الله ﷺ، فقال :" إِنَّ الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيِّبَ بها ما بقي من أموالكم ". وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" ما أدى زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْز ". وقال أبو ذر وجماعة من الزهاد : كل ما فضل عن حاجة الإنسان فهو كنز، وحمل الآية عليه.
ثم ذكر وعيدهم فقال :﴿يوم يُحمَى عليها﴾ أي : على الأموال المكنوزة، ﴿في نار
٧٢
جهنم﴾ أي : يوم توقد النار ذات الحمى الشديد عليها، حتى تكون صفيحة واحدة، ﴿فتُكوى بها جباهُهم وجنوبهم وظهورهُم﴾، خصهم بالعذَاب، لأنهم كانوا يعرضون عن السائل، ويُولون ظهره، فيعرضون عنه بجباههم وجنوبهم. أو لأنها أشرف الأعضاء، لاشتمالها على الدِّماغ والقلب والكبد. أو لأنها أصول الجهات الأربع، التي هي مقادم الإنسان ؛ مؤخره وجنبتاه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٢