قلت : وقوع المعراج بالمدينة غريب. قال المهدوي : مرْتَبة الإسراء بالجسم إلى تلك الحضرات العَلِية خاصة بنبينا، لم يكن لغيره من الأنبياء. وعدَّه السيوطي من الخصائص. قال ابن جزي : وحجة الجمهور : أنه لو كان منامًا، لم تُنكره قريش، ولم يكن في ذلك ما يُكَذَّبُ، ألا ترى أن أُم هانئ قالت له - عليه الصلاة والسلام- :(لا تُخبر بذلك أحدًا). وحجة من قال إنه كان منامًا : قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ [الإسراء : ٦٠]، وإنما يقال : الرؤيا، في المنام، ويقال، فيما يرى بالعين :
٧٤
رؤية، وقوله، في آخر حديث الإسراء :" فاستيقظتُ وأنا في المسجد الحرام "، ثم قال : وقد يجمع بينهما بأنه وقع مرتين. هـ.
وقوله تعالى :﴿إلى المسجد الأقصى﴾ هو : بيت المقدس ؛ لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، ﴿الذي باركنا حوله﴾ ببركات الدين والدنيا ؛ لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء، ومحفوف بالأنهار والأشجار والثمار. أسرينا به ؛ ﴿لِنُريه من آياتنا﴾ الدالة على عجائب قدرتنا، ونكشفَ له عن أسرار ذاتنا، فأَطْلعه الله على عجائب الملكوت، وأراه سَنَا الجبروت. رَوَى عكرمةُ عن ابن عباس : أنه قال : قد رأى محمدٌ ربه، قلت : أليس الله يقول :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ [الأنعَام : ١٠٣]، قال : ويحك، ذلك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين. هـ. قلت : معنى كلامه : أنه إذا تجلى بنوره الأصلي، من غير واسطة، لا يمكن إدراكه، وأما إذا تجلى بواسطة المظهر فإنه يُمكن إدراكه، والحاصل : أن الحق تعالى إنما يتجلى على قدر الرائي، لا على قدره ؛ إذ لا يطيقه أحد. وسيأتي، في الإشارة، بقية الكلام عليه، إن شاء الله. ﴿إِنه هو السميعُ البصير﴾ أي : السميع لأقوال حبيبه في حال مناجاته، البصيرُ بأحواله، فيكرمه ويُقربه على حسب ذلك.