الإشارة : قال بعض الصوفية : إنما قال تعالى :﴿بعبده﴾، ولم يقل : بنبيه : ولا برسوله ؛ ليدل على أن كل من كملت عبوديته كان له نصيب من الإسراء. غير أن الإسراء بالجسد مخصوص به - عليه الصلاة والسلام -، وأما الإسراء بالروح فيقع للأولياء ؛ على قدر تصفية الروح، وغيبتها عن هذا العالم الحسي، فتعرج أفكارهم وأرواحهم إلى ما وراء العرش، وتخوض في بحار الجبروت، وأنوار الملكوت، كلٌّ على قدر تخليته وتحليته. وإنما خص الإسراء بالليل ؛ لكونه محل فراغ المناجاة والمواصلات، ولذلك رتب بعثه مقامًا محمودًا على التهجد بالليل في هذه السورة. قاله المحشي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٣
وقوله تعالى :﴿سبحان الذي أسرى﴾، قال الورتجبي : أي : تنزه عن إشارة الجهات والأماكن في الفوقية، وما يتوهم الخلق ؛ من أنه إذ أوْصل عبده إلى وراء الوراء، أنه كان في مكان، أي : لا تتوهموا برفع عبده إلى ملكوت السماوات، أنه رفع إلى مكان، أو هو في مكان، فإن الأكوان والمكان أقل من خردلة في وادي قدرته، أي : في بحر عظمته ؛ ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام :" الكون في يمين الرحمن أقل من خردلة " والعندية والفوقية منه، ونزّه نفسه عن أوهام المشبّهات، حيث توهموا أنه أسرى به إلى المكان، أي : سبحان من تنزه عن هذه التهمة. هـ. وقال القشيري : أرسله الحق تعالى ؛ ليتعلم أهلُ الأرض منه العبادة، ثم رَقَّاه إلى السماء ليتعلّمَ منه الملائكةُ - عليهم السلام - آدابَ العبادة، قال تعالى :﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىا﴾ [النّجْم : ١٧]، وما
٧٥
التَفَتَ يمينًا ولا شمالاً، ما طمع في مقام، ولا في إكرام، تحرر عن كلِّ طلبٍ وأرَبٍ، تلك الليلة. هـ.


الصفحة التالية
Icon