ثم قال تعالى لبني إسرائيل :﴿عسى ربُكم أن يرحَمكم﴾ بعد المرة الأخرى ويجبر كسركم، ﴿وإِن عُدتُم عُدْنَا﴾ إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب نبينا محمد ﷺ، وقصد قتله، فعاد إليهم بتسليطه عليهم، فقتل من بني قريظة سبعمائة في يوم واحد، وسبى ذراريهم، وباعهم في الأسواق، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين. هذا في الدنيا، ﴿وجعلنا جهنم للكافرين﴾ منهم ومن غيرهم ﴿حصيرًا﴾ ؛ محبسًا، لا يقدرون على الخروج منها، أبدَ الآباد. وقيل : بساطًا كبسط الحصير، كقوله :﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ [الأعرَاف : ٤١]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٧
الإشارة : قد قضى الحقُّ جلّ جلاله ما كان وما يكون في سابق علمه، فما من نفَس تُبديه إلا وله قدر فيك يُمضيه. فالواجب على العبد أن يكون ابن وقته، إذا أصبح
٧٨
نظر ما يفعل الله به. فأسرار القدر قد استأثر الله بعلمها، وأبهم على عباده أمرَها، فلو ظهرت لبطل سر التكليف. ولذلك لما سُئل عنه سيدنا علي - كرم الله وجهه - قال للسائل :(بحر عميق لا تطيقه)، فأعاد عليه السؤال، فقال :(طريق مظلم لا تسلكه) ؛ لأنه لا يفهم سر القضاء والقدر، إلا من دخل مقام الفناء والبقاء، وفرَّق بين القدرة والحكمة، وبين العبودية والربوبية، فإذا تحقق العارف بالوحدة، عِلَمَ أنَّ الحق تعالى أظهر من خلقه مظاهر أَعدهم للإكرام، وأظهر خلقًا أعدهم للانتقام، وأبهم الأمر عليهم، ثم خلق فيهم كسبًا واختيارًا فيما يظهر لهم، وكلفهم ؛ لتقوم الحجة عليهم، وتظهر صورة العدل فيهم. ﴿ولا يظلم ربك أحدًا﴾. فالقدرة تُبرز ما سبق في الأزل، والحكمة تستر أسرار القدر. لكن جعل للسعادة علامات كالتوفيق والهداية للإيمان، وللشقاوة علامات ؛ كالخذلان والكفران. نعوذ بالله من سوء القضاء وحرمان الرضا. آمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٧


الصفحة التالية
Icon