قلت :" وأنَّ الذين " : إما عطف على " أن " الأولى، أو على " ويُبشر " بإضمار يخبر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إِنَّ هذا القرآن يَهدي للتي﴾ ؛ للطريق التي ﴿هي أقومُ﴾ الطرق وأعدلها، ﴿ويُبشِّرُ المؤمنين الذين يعملون﴾ الأعمال ﴿الصالحاتِ أنَّ لهم أجرًا كبيرًا﴾ وهو : الخلود في النعيم المقيم، وزيادة النظر إلى وجهه الكريم. ﴿و﴾ يخبر ﴿أنَّ الذين لا يُؤمنون بالآخرة أعتدنا﴾ أي : أعددنا ﴿لهم عذابًا أليمًا﴾، أو : ويُبشر المؤمنين ببشارتين : ثوابهم، وعقاب أعدائهم.
الإشارة : لا شك أن القرآن يهدي إلى طريق الحق ؛ إما إلى طريق تُوصل إلى نِعم جنانه، أو إلى طريق تُوصل إلى شهوده ودوام رضوانه، فالأولى طريق الشرائع والأحكام، والثانية طريق الحقائق والإلهام، لكن لا يدرك هذا من القرآن إلا من صفت مرآة قلبه بالمجاهدة والذكر الدائم، ولذلك أمر شيوخُ التربية المريد بالاشتغال بالذكر المجرد، حتى يُشرق قلبه بأنوار المعارف، ويرجع من الفناء إلى البقاء، ثم بعد ذلك يُمر بالتلاوة، ليذوق حلاوة القرآن، ويتمتع بأنواره وأسراره، وقد أنكر بعضُ من لا معرفة له بطريق التربية على الفقراء هذا الأمر - أعني : ترك التلاوة في بدايتهم - ؛ محتجًا بهذه الآية، ولا دليل فيها عليهم، لأن كون القرآن يهدي للتي هي أقوم يعني : التمسك والتدبر في معانيه،
٧٩
دليل فيها عليهم ؛ لأن كون القرآن يهدي للتي هي أقوم يعني : التمسك والتدبر في معانيه، ولا يصح ذلك على الكمال إلا بعد تصفية القلوب، كما هو مجرب، ولا ينكر هذا إلا من لا ذوق له في علوم القوم، وربما يُذكر وجود التربية من أصلها، ويسد البابَ في وجوه الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٩


الصفحة التالية
Icon