نور فيه من ذاته، بل نوره مستمد من نور الشمس، ﴿وجعلنا آية النهار﴾، وهي الشمس ﴿مبصرةً﴾ للناس، أو مبصرًا فيها بالضوء الذاتي، ﴿لتبتغوا فضلاً من ربكم﴾ ؛ لتطلبوا في بياض النهار أسباب معاشكم، ﴿ولتعلموا﴾ ؛ باختلافهما وبحركتهما، ﴿عددَ السنينَ والحسابَ﴾ ؛ وحساب الأوقات من الأشهر والأيام، في معاملتكم وتصرفاتكم، ﴿وكلَّ شيء﴾ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا ﴿فصَّلناه تفصيلاً﴾ ؛ بيَّناه تبيينًا لا لبس فيه، أو : وكل شيء يظهر في الوجود، فصّلناه وقدّرناه في اللوح المحفوظ تفصيلاً، فلا يظهر في عالم الشهادة إلا ما فُصل في عالم الغيب.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٠
وكل إِنسانٍ ألزمناه طائره﴾ أي : حظه وما قُدر له من خير وشر، فهو لازم ﴿في عُنقه﴾ ؛ لا ينفك عنه. ويقال لكل ما لزم الإنسان : قد لزم عنقه. وإنما قيل للحظ المقدر في الأزل من الخير والشر : طائر ؛ لقول العرب : جرى لفلان الطائر بكذا من الخير والشر، على طريق الفأل والطيرة، فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر هو ملزم لأعناقهم، لا محيد لهم عنه، كالسلسلة اللازمة للعنق، يُجر بها إلى ما يُراد منه. ومثله :﴿أَلآا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّه﴾ [الأعرَاف : ١٣١]، وقال مجاهد :" ما من مولود يولد إلا في عنقه ورقة، مكتوب فيها شقي أو سعيد ". أو : وكل إنسان ألزمناه عمله ؛ يحمله في عنقه، ﴿ونُخرج له يوم القيامة كتابًا﴾ مكتوب فيه عمله، وهو صحيفته. ﴿يلقاه منشورًا﴾، ويقال له :﴿اقرأ كتابك كفى بنفسك اليومَ عليك حسيبًا﴾ ؛ محاسبًا، لا تحاسبك إلا نفسك، أو : رقيبًا وشهيدًا علىعملك، أو : لا يَعُد عليك أعمالك إلا نفسك. والله تعالى أعلم.