الإشارة : من اهتدى إلى حضرة قدسنا فإنما يهتدي لينعم نفسه بأسرار قدسنا، ومن ضل عنها فإنما يضل عليها ؛ حيث حرمها لذيذ المعرفة. فإن كان في رفقة السائرين، ثم غلبه القضاء، فلا يتعدى وبال رجوعه إلى غيره، بل ما كان يصل إليه من المدد يرجع إلى أصحابه، وما كنا معذبين أحدًا ؛ بإسدال الحجاب بيننا وبينه، حتى نبعث من يُعَرِّف بنا، ويكشف الحجاب بيننا وبين من يريد حضرتنا. والمراد بالحجاب : حجاب الوهم ؛ بإثبات حس الكائنات، فلو انهتك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، ولو أشرق نورُ الإيقان لغطى وجودَ الأكوان. وإذا أردنا أن نتلف قلوبًا أمرنا أربابها بالتنعم بالحظوظ والشهوات، فخرجوا عن طريق المجاهدة والرياضة، فحق عليها القول بغم الحجاب، فدمرناها تدميرًا، أي : تركناها تجول في أودية الخواطر والشكوك، فتلفت وهلكت، نعوذ بالله من شر الفتن ودرك المحن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨١
قلت :﴿لمن نُريد﴾ : بدل من ضمير ﴿له﴾ ؛ بدل بعض من كل. و ﴿كُلاًّ﴾ : مفعول ﴿نُمد﴾، و ﴿هؤلاء﴾ : بدل منه. و ﴿كيف﴾ : حال، و ﴿درجات﴾ و ﴿تفضيلاً﴾ : تمييز.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿مَن كان يُريد﴾ بعمله الدنيا ﴿العاجلةَ﴾، مقصورًا عليها همه، ﴿عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نُريد﴾ التعجيل له. قيَّد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإرادة ؛ لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واحد جميع ما يهواه. قاله البيضاوي :﴿ثم جعلنا له﴾ في الآخرة ﴿جهنم يصلاها﴾ ؛ يدخلها ويحترق بها، حال كونه ﴿مذمومًا مدحورًا﴾ ؛ مطرودًا من رحمة الله. والآية في الكفار، وقيل : في المنافقين، الذين يغزون مع المسلمين لقصد الغنائم. والأصح : أنها تعم كل من اتصف بهذا الوصف.