﴿ومَن أراد الآخرةَ وسعى لها سعيها﴾ ؛ عمل لها عملها اللائق بها، وهو : الإتيان بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. وفائدة اللام في قوله :" لها " : اعتبار النية والإخلاص. والحال أن العامل ﴿مؤمن﴾ إيمانًا صحيحًا لا شرك معه ولا تكذيب، فإنه العمدة، ﴿فأولئك﴾ الجامعون للشروط الثلاثة ﴿كان سعيهم مشكورًا﴾ عند الله، مقبولاً مثابًا عليه ؛ فإن شُكر الله هو الثواب على الطاعة.
﴿كُلاًّ نُّمدُّ﴾ أي : كل واحد من الفريقين نُمد بالعطاء مرة بعد أخرى، ﴿هؤلاء﴾ المريدين للدنيا، ﴿وهؤلاء﴾ المريدين للآخرة، نُمد كلا ﴿من عطاء ربك﴾ في الدنيا، ﴿وما كان عطاءُ ربك﴾ فيها ﴿محظورًا﴾ ؛ ممنوعًا من أحد، لا يمنعه في الدنيا مؤمن ولا كافر، تفضلاً منه تعالى. ﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾ في الرزق والجاه، ﴿وللآخِرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلاً﴾ من الدنيا، فينبغي الاعتناء بها دونها، والتفاوت في الآخرة حاصل للفريقين، فكما تفاوتت الدرجات في الجنة تفاوتت الدركات في النار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٣
وسبب التفاوت : زيادة اليقين، والترقي في أسرار التوحيد لأهل الإيمان، أو الانهماك في الكفر والشرك لأهل الكفران. ولذلك قال تعالى :﴿لا تجعلْ مع الله إِلهًا آخر﴾ تعبده. والخطاب لكل سامع، أو للرسول ﷺ، والمراد أمته، ﴿فتقعد﴾ ؛ فتصير حينئذ ﴿مذمومًا مخذولاً﴾ ؛ جامعًا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين، والخذلان من الله. ومفهومه : أن الموحد يكون ممدوحًا منصورًا في الدارين.
٨٤


الصفحة التالية
Icon