الإشارة : قال ﷺ :" مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأتِهِ مِنَ الدُّنْيا إلاَّ مَا قُسِمَ لَهُ. وَمَنْ كَانَتِ الآخِرةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ الله عليه أَمْرَهُ، وجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِه، وأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ صَاغِرَةٌ "، واعلم أن الناس على قسمين ؛ قوم أقامهم الحق لخدمته، وهم : العباد والزهاد، وقوم اختصهم بمحبته، وهم : العارفون بالله ؛ أهل الفناء والبقاء، قال تعالى :﴿كلا نُمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾ ؛ في الكرامات والأنوار، وفي المعارف والأسرار. وفضلُ العارفين على غيرهم كفضلِ الشمس على سائر الكواكب، هذا في الدنيا، ﴿وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً﴾، يقع ذلك بالترقي في معارج أسرار التوحيد، وبتفاوت اليقين في معرفة رب العالمين. وقال القشيري في تفسير الآية : منهم من لا يغيب عن الحضرة لحظة، ثم يجتمعون في الرؤية، ويتفاوتون في النصيبِ لكلٍّ. وليس كلُّ أحد يراه بالعين الذي يراه به صاحبه. وأنشدوا :
لو يَسْمَعُون كما سمعتُ حديثها
خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وسجودا
وقال الورتجبي : فضَّل العابدين بعضهم على بعض في الدنيا بالطاعات، وفضَّل العارفين بعضهم على بعض بالمعارف والمشاهدات، فالعباد في الآخرة في درجات الجنان متفاوتون، والعارفون في درجات وصال الرحمن متفاوتون. وقال القشيري أيضًا : من كانت مشاهدته اليوم على الدوام، كانت رؤيته غدًا على الدوام، ومن لا فلا. هـ. وقد تقدم تفاوت الناس في الرؤية بأبسط من هذا، عند قوله تعالى :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام : ١٠٣]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٣
٨٥


الصفحة التالية
Icon