قلت :﴿قضى﴾، هنا، بمعنى حكم وأوجب وأمر، لا بمعنى القضاء ؛ إذ لو كان كذلك لما عُبد غير الله. وفي مصحف ابن مسعود :" ووصى ربك ألا تعبدوا ". و (أن) : مفسرة، أو مصدرية، أي : بأن لا تعبدوا، و ﴿إما﴾ : إن الشرطية دخلت علهيا " ما " المؤكدة. و ﴿فلا تقل﴾ : جوابها. وتوحيد ضمير الخطاب في ﴿عندك﴾، وفيما سبق - مع أن ما سبق ضمير الجمع - ؛ للاحتراز عن التباس المراد، فإنَّ المقصود نهي كل أحد عن تأفيف والديه ونهرهما. ولو قوبل الجمع بالجمع، أو بالتثنية، لم يحصل هذا المرام.
و " أفُّ " : اسم فعل، معناها : قول مكروهُ، يقال عند الضجر ونحوه. قال الهروي : أي : لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم، ويقال لكل ما يضجر منه ويستثقل : أُفّ لَهُ. وقال في القاموس : أَفّ، يَؤُفُّ، ويَئِفُّ : تأففَ من كَرْبٍ أوْ ضَجَر. وأُفّ : كلمة تكره، وأفف تأفِيفًا، وتَأَفَّفَ، قالها، ولغتها أربعون، ثم ذكرها. وحركتها للبناء، وتنوينها للتنكير.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقضى ربُّك﴾ ؛ أَمر أمْرًا مقطوعًا به، بـ ﴿ألاَّ تعبدوا إِلا إِياه﴾ ؛ لأن غاية التعظيم لا يكون إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام، وهو الله وحده، ﴿و﴾ أحسنوا ﴿بالوالدين إِحسانًا﴾ ؛ لأنهما السبب الظاهر في وجود العبد، وبهما قامت نعمة الإمداد من التربية والحفظ في مظاهر الحكمة، وإلاَّ فما ثَمَّ إلا تربية الحق تعالى، ظهرت في مظاهر الوالدين، لكن أمر بشكر الواسطة ؛ " من لم يشكر الناس لم يشكر الله ".