ولا تمشِ في الأرض مرحًا} أي : ذا مرح، وهو : التكبر والاختيال، ﴿إِنك لن تخرق الأرضَ﴾ ؛ لن تجعل فيها خرقًا ؛ لشدة وطأتك ﴿ولن تبلغ الجبال طُولاً﴾ ؛ تتطاول عليها ؛ عزّا وعلوا، وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي، أي : إذا كنت لا تقدر على هذا، فلا يناسبك إلا التواضع والتذلل بين يدي خالقك، ﴿كلُّ ذلك﴾ المذكور، من قوله :﴿لا تجعل مع الله إلهًا آخر﴾ إلى هنا، وهي : خَمْسٌ وعشرون خصلة، قال ابن عباس :(إنها المكتوبة في ألواح موسى)، فكل ما ذكر ﴿كان سَيّئة عند ربك﴾ أي : خصلة قبيحة ﴿مكروهًا﴾ أي : مذمومًا مبغوضًا. والمراد بما ذكر : من المنهيات دون المأمورات. ﴿ذلك مما أَوحى إِليك ربُّك من الحكمة﴾ ؛ التي هي علم الشرائع، أو معرفة الحق لذاته، والعلم للعمل به. ﴿ولا تجعلْ مع الله إلهًا آخر﴾، كرره، للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، وأنه رأس الحكمة وملاكها، ومن عُدِمَهُ لم تَنْفَعْهُ علومه وحِكمه، ولو جمع أساطير الحكماء، ولو بلغت عنان السماء. والخطاب للرسول ﷺ، والمراد : غيره ممن يتصور منه ذلك. ورتب عليه، أولاً : ما هو عاقبة الشرك في الدنيا، وهو : الذم والخذلان، وثانيًا : ما هو نتيجته في العقبى. فقال :﴿فتُلقى في جهنم ملومًا﴾ ؛ تلوم نفسك، وتلومك الملائكة والناس، ﴿مدحورًا﴾ ؛ مطرودًا من رحمة الله.
ثم قبَّح رأيهم في الشرك، فقال :﴿أفأصفاكُم رَبُّكم بالبنين﴾، وهو خطاب لمن قال : الملائكة بنات الله. والهمزة للإنكار، أي : أفخصَّكم ربكُم بأفضل الأولاد، وهم
٩٣