البنون، ﴿واتخذَ من الملائكة إِناثًا﴾ ؛ بناتٍ لنفسه، ﴿إِنكم لتقولون قولاً عظيمًا﴾ أي : عظيم النكر والشناعة، لا يُقْدَرُ قَدْرُهُ في إيجاب العقوبة ؛ لخرمه لقضايا العقول، بحيث لا يجترئ عليه أحد ؛ حيث تجعلونه تعالى من قبيل الأجسام المتجانسة السريعة الزوال، ثم تضيفون إليه ما تكرهونه، وتُفضلون عليه أنفسكم بالبنين، ثم جعلتم الملائكة، الذين هم أشرف الخلق، أدونهم، تعالى الله عن قولكم علوًا كبيرًا.
الإشارة : ينبغي للإنسان الكامل أن يكون في أموره كلها على بينة من ربه، فَيُحَكِّمُ على ظاهره الشريعة المحمدية، وعلى باطنه الحقيقة القدسية، فإذا تجلى في باطنه شيء من الواردات أو الخواطر فليعرضه على الكتاب والسُنَّة، فإن قبلاه أظهره وفعله، وإلاَّ رده وكتمه، كان ذلك الأمر قوليًا أو فعليًا، أو تركًا او عقدًا ؛ فقد انعقد الإجماع على أنه لا يحل لامرئٍ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، وإليه الإشارة بقوله :﴿ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم﴾، فإن لم يجد نصًا في الكتاب أو السنة فليستفت قلبه، إن صفا من خوض الحس، وإن لم يَصْفُ فليرجع إلى أهل الصفاء، وهم أهل الذكر. قال تعالى :﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النّحل : ٤٣]، ولا يستفت أهل الظنون، وهم أهل الظاهر، قال تعالى :﴿إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [يُونس : ٣٦].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٢


الصفحة التالية
Icon