وقال القشيري في تفسير الآية هنا :﴿ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم﴾ أي : جانب محاذاة الظنون، وما لم يُطْلِعْكَ الله عليه، فلا تتكلف الوقوف عليه من غير برهان. فإذا أُشْكِلَ عليك شيءٌ في حكم الوقت، فارجعْ إلى الله، فإِنْ لاحَ لقلبك وَجْهٌ من التحقيق فكن مع ما أريد، وإن بقي الحال على حدِّ الالتباس فَكِلْ عِلْمَه إلى الله، وقِفْ حيثما وقفت. ويقال : الفرق بين من قام بالعلم، ومن قام بالحق : أنَّ العلماء يعرفون الشيء أولاً، ثم يعملون بعلمهم، وأصحابُ الحقائق يجْرِي، بحكم التصريف عليهم، شيءٌ، ولا عِلمَ لهم به على التفصيل، وبعد ذلك يُكْشَف لهم وجههُ، فربما يجري على لسانهم شيءٌ لا يدرون وَجْهَه، ثم بعد فراغهم من النطق به يظهر لقلوبهم برهانُ ما قالوه من شواهد العلم ؛ إذ يتحقق ذلك بجريان الحال في ثاني الوقت. انتهى. قلت : وإلى هذا المعنى أشار في الحكم العطائية بقوله :" الحقائق ترد في حال التجلي مُجْمَلَةً، وبعد الوعي يكون البيان، ﴿فإذا قرأناه فاتبع قرآنه﴾ ".
قوله تعالى :﴿ولا تمشِ في الأرض مرحًا﴾، ورد في بعض الأخبار، في صفة مشي الصوفية : أنهم يدبون على أقدامهم دبيب النمل، متواضعين خاشعين، ليس فيه إسراع مُخل بالمروءة، ولا اختيال مُخل بالتواضع. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٢
٩٤
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد صَرَّفنا﴾ ؛ بيَّنا ﴿في هذا القرآن﴾ من الأمثال والعبر، والوعد والوعيد ؛ ﴿ليذَّكروا﴾ ؛ ليتعظوا به، ﴿وما يزيدُهم﴾ ذلك ﴿إِلا نفورًا﴾ عن الحق وعنادًا له.
الإشارة : من شأن القلوب الصافية : إذا سمعت كلام الحبيب فرحت واهْتَزت، أو خشعت واقشعرت من هيبة المتكلم، كلٌّ على ما يليق بمقامه، ومن شأن القلوب الخبيثة المكدرة : نفورها من كلام الحق ؛ إذ الباطل لا يُقاوم الحق، ولا يطيق مواجهته. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٤