هذا يرشد كلام أهل الكاشف، حتى ذكر الحاتمي : أن من لم يسمعها مختلفة التسبيح لم يسمعها، وإنما سمع الحالة الغالبة عليه. وورد في الحديث :" ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير، إلاَّ بما ضيع من تسبيح الله تعالى " وفي الحديث أيضًا :" ما تطلع الشمس فيبقى خلق من خلق الله، إلا يسبح الله بحمده، إلا ما كان من الشيطان وأعتى بني آدم ". ومذهب أهل السنة : عدم اشتراط البِنية للعلم والحياة، فيصح الخشوع من الجماد، والخشية لله والتسبيح منه له. وقد قال ابن حجر على حديث حنين الجذع : فيه دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان، بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لمن يحمل قوله :﴿وإِن من شيء إِلا يُسبح بحمده﴾ على ظاهره. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
وقال ابن عطية : اختلف أهلُ العلم في هذا التسبيح ؛ فقالت فرقة : هو تجوز، ومعناه : أن كل شيء تبدو فيه صفة الصانع الدالة عليه، فتدعو رؤية ذلك إلى التسبيح من المعتبر. وقالت فرقة : قوله :﴿من شيء﴾ : لفظه عموم، ومعناه الخصوص في كل حي ونام، وليس ذلك في الجمادات الميتة. فمن هذا قول عكرمة : الشجرة تُسبح، والاسطوانة لا تُسبح. قال يزيد الرقاشي للحسن - وهما في طعام، وقد قدّم الخِوان- : أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد ؟ فقال : قد كان يُسبح مدة. يريد أن الشجرة، في زمان نموها واغتذائها، تُسَبح. وقد صارت خوانًا أو نحوه، أي : صارت جمادًا. وقالت فرقة : هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء، على العموم، يُسبح تسبيحًا لا يسمعه البشر ولا يفقهه، ولو كان التسبيح ما قاله الآخرون ؛ من أنه أثر الصنعة، لكان أمرًا مفهومًا، والآية تنطق بأنه لا يُفقه، وينفصل عنه ؛ بأن يريد بقوله :﴿لا تفقهون﴾ : الكفار والغفلة، أي : أنهم يُعرضون عن الاعتبار ؛ فلا يفقهون حكمة الله في الأشياء. هـ.