نَفَى عنهم فقه الآيات، بعد ما نفى عنهم فقه الدلالات المنصوبة في الأشياء ؛ بيانًا لكونهم مطبوعين على الضلالة، كما صرح به في قوله :﴿وجعلنا على قلوبهم أَكِنَّةً﴾ ؛ أغطيةً تكنها، وتحول بينها وبين إدراك الحق وقبوله. فعلنا ذلك بهم ؛ كراهة ﴿أنْ يفقهوه﴾، ﴿و﴾ جعلنا ﴿في آذانهم وقرًا﴾ ؛ ثقلاً وصممًا يمنعهم من استماعه. ولمَّا كان القرآن معجزًا من حيث اللفظ والمعنى، أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ. قاله البيضاوي.
﴿وإِذ ذكرتَ ربك في القرآن وحده﴾ أي : واحدًا غير مشفوع به آلهتهم، ﴿وَلَّوْا على أدبارهم نُفورًا﴾ ؛ هَرَبا من استماع التوحيد، والمعنى : وإذا ذكرت في القرآن وحدانية الله تعالى، فرَّ المشركون عن ذلك ؛ لما في ذلك من رفض آلهتهم وذمها. قال تعالى :﴿نحن أعلم بما يستمعون به﴾ أي : بالأمر الذي يستمعون به ؛ من الاستهزاء، وكانوا يستمعون القرآن على وجه الاستهزاء، ﴿وإِذْ هم نجوى﴾ أي : ونحن أعلم بغرضهم، حين همَّ جماعة ذات نجوى، يتناجون بينهم ويخفون ذلك. ثم فسر نجواهم بقوله :﴿إذْ يقول الظالمون﴾، وضع الظالمين موضع الضمير ؛ للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا محض ظلم، أي : إذ يقولون :﴿إِن تتبعون إِلا رجلاً مسحورًا﴾ ؛ مجنونًا قد سُحر حتى زال عقله.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٧
انظر كيف ضربوا لك الأمثال﴾
، مثلوك بالساحر، والشاعر، والكاهن، والمجنون، ﴿فضلُّوا﴾ عن الحق في جميع ذلك، ﴿فلا يستطيعون سبيلاً﴾ إلى الهدى، أو إلى الطعن فيما جئتَ به بوجه ؛ فهم يتهافتون، ويخبطون، كالمتحير في أمره لا يدري ما يفعل. ونزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه من الكفار.
٩٨


الصفحة التالية
Icon