الإشارة : مَن كان قلبه أقسى من الحجارة والحديد، واستغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود جهالته وغفلته، فقُل لهم : كونوا حجارة أو حديدًا، أو خلقًا أكبر من ذلك، فإن الله قادر على أن يُحيي قلوبكم بمعرفته، ويُلينها بعد القساوة، بسبب شرب خمرته. فسيقولون : من يُعيدنا إلى هذه الحالة ؟ قل : الذي فطركم على توحيده أول مرة، حين أقررتم بربوبيته، يوم أخذ الميثاق. فسَيُنْغضون إليك رؤوسهم ؛ تعجبًا واستغرابًا، ويقولون : متى هو هذا الفتح ؟ ! قل : عسى أن يكون قريبًا ؛ يوم يدعوكم إلى حضرته بشوق مقلق، أو خوف مزعج، بواسطة شيخ عارف، أو بغير واسطة، فتستجيبون بحمده ومنته، وتظنون إن لبثتم في أيام الغفلة إلا قليلاً ؛ فتلين قلوبكم، وتطمئن نفوسكم، وتنشرح صدوركم، وتحسن أخلاقكم، فلا تخاطبون العباد إلا بالتي هي أحسن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقل لعبادي﴾ المؤمنين :﴿يقولوا﴾ للمشركين الكلمة ﴿التي هي أحسنُ﴾ ولا تخاشنوهم، ﴿إِن الشيطان يَنْزَغُ بينهم﴾ ؛ يهيج بينهم الجدال والشر، فلعل المخاشنة لهم تُفضي إلى العناد وازدياد الفساد. وكان هذا بمكة، قبل الأمر بالقتال، ثم نُسخ. وقيل : في الخطاب من المؤمنين بعضهم لبعض، أمرهم أن يقولوا، فيما بينهم، كلامًا لينًا حسنًا. ﴿إِن الشيطانَ ينزَغ بينهم﴾ العداوة والبغضاء ؛ ﴿إِنَّ الشيطان كان للإِنسان عدوًا مبينًا﴾ ؛ ظاهر العداوة.
يقولون لهم في المخاطبة الحسنة :﴿ربكم أعلمُ إِن يشأ يرحمْكُم﴾ بالتوبة والإيمان، ﴿أو إِن يشأ يُعذِّبكُم﴾ بالموت على الكفر. وهذا تفسير للكلمة التي هي أحسن، وما بينهما اعتراض، أي : قولوا هذه الكلمة ونحوها، ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار ؛ فإنه يثير الشر، مع أن ختام أمرهم غيب. ﴿وما أرسلناك عليهم وكيلاً﴾ ؛
١٠٠