موكولاً إليك أمرهم، فتجبرهم على الإيمان، وإنما أَرْسلْنَاكَ مبشرًا ونذيرًا، فَدارهِم، ومُر أصحابك باحتمال الأذى منهم. رُوي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم ؛ فشكوا إلى رسول الله ﷺ فنزلت، وقيل : شتم رجل عمر رضي الله عنه، فهمَّ به، فأمره الله بالعفو.
﴿وربك أعلمُ بمن في السماوات والأرض﴾ وبأحوالهم، فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء. وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيًا، وأن يكون العُراة الجياع أصحابه. ﴿ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض﴾ بالفضائل النفسانية، والتفرغ من العلائق الجسمانية، لا بكثرة الأموال والأتباع، حتى يستبعدوا نبوة سيدنا محمد ﷺ لقلة ماله، وضعف أصحابه ؛ فإن سيدنا داود عليه السلام كان مثله في قلة ماله وأتباعه، ثم قواه بالملك والنبوة. ولذا قال :﴿وآتينا داود زبورًا﴾ ؛ وقيل : هو إشارة إلى تفضيل نبينا محمد ﷺ ؛ فإنه مذكور في الزبور، وهو أنه خاتم الأنبياء، وأمته خير الأمم، وأنهم يرثون الأرض بالفتح عليهم ؛ قال تعالى :﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء : ١٠٥]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٠
الإشارة : من أوصاف الصوفية - رضي الله عنهم - أنهم هينون لينون كلَّفة حرير، لا ينطقون إلا بالكلام الحسن، ولا يفعلون إلا ما هو حسن، ويفرحون ولا يحزنون وينبسطون ولا ينقبضون. من رأوه مقبوضًا بسطوه، ومن رأوه حزينًا فرّحوه، ومن رأوه جاهلاً أرشدوه بالتي هي أحسن. وهم متفاوتون في هذا الأمر، مفضل بعضهم على بعض في الأخلاق والولاية، فكل من زاد في الأخلاق الحسنة زاد تفضيله عند الله. وفي الحديث :" إنَّ الرَّجلُ لَيُدرِكُ ؛ بحُسْن الخلُق، دَرَجََة الصَائِم النهار، القَائِمِ اللَّيْل " وبالله التوفيق.