ولما نزّه تعالى نفسه في أول السورة عن الجهة، التي تُوهمها قضيةُ الإسراء، صَرَّحَ هنا بأنه محيط بكل مكان وزمان، لا يختص بمكان دون مكان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإِذْ قلنا لك﴾ فيما أوحينا إليك ﴿إِنَّ ربك أحَاطَ بالناس﴾ علماً وقدرة، وأسراراً وأنواراً، كما يليق بجلاله وتجليه، فلا يختص بمكان ولا زمان، بل هو مظهر الزمان والمكان، وقد كان ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، ﴿وما جعلنا الرؤيا التي أريناك﴾ في قضية الإسراء، قال ابن عباس :" هي رؤيا عين " حيث رأى أنوار جبروته في أعلى عليين، وشاهد أسرار ذاته أريناك ذلك في ذلك المكان ﴿إلا فتنةً للناس﴾ ؛ اختباراً لهم، من يصدق بذلك ولا يكيف، ومن يجحده من الكفرة. ومن يقف مع ظاهره، فيقع في التجسيم والتحييز، ومن تنهضه السابقة إلى
١٠٤
التعشق ؛ فيجاهد نفسه حتى تعرج روحه إلى عالم الملكوت، فتكاشف بإحاطة أسرار الذات بكل شيء.
وإنما خص الحق تعالى إحاطته بالناس، مع أنه محيط بكل شيء، كما في الآية الأخرى :﴿أَلآ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ﴾ [فُصِّلَت : ٥٤] ؛ لأنهم المقصودون بالذات من هذا العالم، وما خلق إلا لأجلهم. فاكتفى بالإحاطة بهم عن إحاطته بكل شيء.


الصفحة التالية
Icon