قلت :﴿طينًاً﴾ : منصوب على إسقاط الخافض، أو : حال من الراجع إلى الموصول، و ﴿أرأيتك﴾ : الكاف للخطاب، لا موضع لها. وتقدم الكلام عليه في سورة الأنعام. و ﴿هذا﴾ : مفعول " أرأيت "، و ﴿جزاء﴾ : مصدر، والعامل فيه :" جزاؤكم "، فإنَّ المصدر ينصب بمثله أو فعله أو وصفه، وقيل : حال موطئة لقوله :" موفورًا ".
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿إِذْ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلا إِبليسَ﴾ امتنع، و ﴿قال أأسجدُ لمن خلقتَ طينًا﴾ أي : من طين ؛ فهو أصله من الطين، وأنا أصلي من النار، فكيف أسجد له وأنا خير منه ؟ ! ثم ﴿قال﴾ إبليس :﴿أَرَأيْتكَ هذا الذي كرمتَ عليَّ﴾ أي : أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ ؛ بأمري بالسجود له، لِمَ كرمتَه عليّ ؟ ﴿لئن أخرتنِ﴾ أي : والله لئن أخرتنِ ﴿إِلى يوم القيامة لأَحْتَنِكَنّ﴾ ؛ لأستأصلن ؛ من احتنكت السَّنةُ أموالَهم ؛ أي : استأصلتها. أي : لأهلكن ﴿ذريتَه﴾ ؛ بالإغواء والإضلال، ﴿إِلا قليلاً﴾ ؛ أو : لأميلنهم وأَقُودَنَّهُمْ، مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل فتنقاد. أي : لأقودنهم إلى عصيانك، إلا قليلاً، فلا أقدر أن أقاوم شكيمتهم ؛ لمَا سبق لهم من العناية.
قال ابن عطية : وحَكَمَ إبليس على ذرية آدم بهذا الحكم ؛ من حيث رأى الخِلْقَةَ مجوفةً مختلفةَ الأجزاءِ، وما اقترن بها من الشهوات والعوارض ؛ كالغضب ونحوه، ثم استثنى القليل ؛ لعلمه أنه لا بد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله. هـ. قلت : إنما يحتاج إلى هذا : من وقف مع ظاهر الحكمة في عالم الحس، وأما من نفذ إلى شهود القدرة في عالم المعاني : فلا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٥