﴿وحملناهم﴾ أي : بني آدم، ﴿في البر والبحر﴾ ؛ على الدواب والسفن ؛ فيمشون محمولين في البر والبحر. يقال : حملته حملاً : إذا جعلت له ما يركب. ﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ ؛ من فنون النعم، وضروب المستلذات ممَّا يحصل بصُنعهم وبغير صنعهم، ﴿وفضلناهم﴾ بالعلوم والإدراكات، مما رَكَّبْنَا فيهم ﴿على كثير ممن خلقنا﴾ وهم : من عدا الملائكة - عليهم السلام -. ﴿تفضيلاً﴾ عظيمًا، فحق عليهم أن يشكروا هذه النعم ولا يكفروها، ويستعملوا قواهم في تحصيل العقائد الحَقِّيَّةِ، ويرفضوا ما هم عليه من الشرك، الذي لا يقبله أحد ممن له أدنى تمييز، فضلاً عمن فُضّل على من عدا الملأ الأعلى، والمستثنى جنس الملائكة، أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس ؛ عدم تفضيل جنس بني آدم على الملائكة، عدم تفضيل بعض أجزائه ؛ كالأنبياء والرسل، فإنهم أفضل من خواص الملائكة، وخواص الملائكة - كالمقربين
١٠٩
مثلاً - أفضل من خواص بني آدم، كالأولياء، والأولياء أفضل من عوام الملائكة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد كرَّم الله هذا الآدمي، وشرفه على خلقه ؛ بخصائص جعلها فيه، منها : أنه جعله نسخة من الوجود، فيه ما في الوجود، وزيادة، قد انطوت فيه العوالم بأسرها، من عرشها إلى فرشها، وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا، في مباحثه، حيث قال :
يا سابقًا في مَوْكب الإِبْداع
ولاحِقًا في جَيْش الاخْتِراع
اعْقِل فَاَنْتَ نُسْخَةُ الوُجُود
لله ما أعلاَك مِن مَوْجُود
أَلَيْس فِيك العرشُ والكرسِيُّ
والعالم العُلْويُّ والسُّفْلِيُّ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٩
ما الكونُ إِلا رَجلٌ كبيرُ
وأنتْ كونٌ مِثْلُه صَغِيرُ
وقال آخر :
إذا كنتَ كُرْسِيًّا وعَرْشًا وَجنَّةً
وَنارًا وأَفْلاَكًا تدَوُر وأَمْلاَكا
وكُنْتَ من السِّرِّ المَصُون حَقِيقة
وأَدْرَكْتَ هذا بالحقِيقَةِ إِدْرَاكا
فَفِيمَ التَّأَنِّي فِي الحَضِيضِ تُثَبُّطًا