مُقِيمًا معَ الأسْرَى أمَا آن إِسْرَاكَا
ومنها : أنه جعله خليفة في ملكه، وجعل الوجود بأسره خادمًا له، ومنتفعًا به، الأرض تُقله، والسماء تُظله، والجهات تكتنفه، والحيوانات تخدمه، والملائكة تستغفر له، إلى غير ذلك مما لا يعلمه الخلق. قال تعالى :﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ﴾ [الجاثية : ١٣].
ومنها : أن جعل ذاته مشتملة على الضدين : النور والظلمة، الكثافة واللطافة، الروحانية والبشرية، الحس والمعنى، القدرة والحكمة، العبودية وأسرار الربوبية، إلى غير ذلك. ولذلك خصه بحمل الأمانة.
ومنها : أنه جعله قلب الوجود، هو المنظور إليه من هذا العالم، وهو المقصود الأعظم من إيجاد هذا الكون، فهو المنعَّم دون غيره، إن أطاع الله، ألا ترى قوله تعالى :﴿وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزُّمَر : ٧٥]، فنعيم الجنان خاص بهذا الإنسان، أو : من التحق به من مؤمني الجان. وقال الورتجبي : كرامة الله تعالى لبني آدم سابقة على كون الخلق جميعًا ؛ لأنها من صفاته، واختياره، ومشيئته الأولية. أوجد الخلق برحمته، وخلق آدم وذريته بكرامته، الخلق كلهم في حيزِ الرحمة، وآدم وذريته في حيز الكرامة. الرحمة للعموم، والكرامة للخصوص. خلق الكلَّ لآدم وذريته، وخلق آدم وذريته لنفسه، ولذلك قال :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه : ٤١]، جعل آدم خليفته، وجعل ذريته خلفاء أبيهم، الملائكة والجن في خدمتهم، والأمر والنهي والخطاب معهم، والكتاب أُنزل إليهم، والجنة والنار والسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم،
١١٠