ثم ذكر أهل الأخذ بالشمال فقال :﴿ومَن كان في هذه﴾ الدنيا، التي فَعَل بهم ما فعل من فنون التكريم والتفضيل، ﴿أعمى﴾ ؛ فاقد البصيرة، لا يهتدي إلى رشده، ولا يعرف ما أوليناه من نعمة التكرمة والتفضيل، فضلاً عن شكرها والقيام بحقوقها، ولا يستعمل ما أودعنا فيه ؛ من العقل والقوى، فيما خلق له من العلوم والمعارف، ﴿فهو في الآخرة أعمى﴾ كذلك، لا يهتدي إلى ما ينجيه مما يرديه ؛ لأن النجاة من العذاب والتنعم بأنواع النعم الأخروية مرتب على العمل في الدنيا، ومعرفة الحق، ومن عمي عنه في الدنيا فهو في الآخرة أشد عمى عما ينجيه، ﴿وأضلُّ سبيلاً﴾ عنه ؛ لزوال الاستعداد الممكن لسلوك طريق النجاة. وهذا بعينه هو الذي أخذ كتابه بشماله، بدلالة ما سبق من القبيل المقابل، ولعل العدول عن التصريح به إلى ذكره بهذا العنوان ؛ للإشعار بالعلة الموجبة له، فإنَّ العمى عن الحق والضلال هو السبب في الأخذ بالشمال، وهذا كقوله في الواقعة :﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ﴾ [الواقِعَة : ٩٢]، بعد قوله :﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقِعَة : ٩٠]. والله تعالى أعلم.
الإشارة : يدعو الحق تعالى، يوم القيامة، الأمم إلى الحساب بأنبيائها ورسلها، ثم يدعوهم، ثانيًا، للكرامة بأشياخها وأئمتها التي كانت تدعوهم إلى الحق على الهَدْي المحمدي. فيقال : يا أصحاب فلان، ويا أصحاب فلان، اذهبوا إلى الجنة، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. وهذا في حق أهل الحق والتحقيق، الدالين على سلوك
١١٢


الصفحة التالية
Icon