الشريعة، والتمسك بأنوار الحقيقة ؛ ذوقًا وكشفًا، فكل من تبعهم وسلك منهاجهم، كان من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهم : أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأما من لم يكن من حزبهم، ولم يدخل تحت تربيتهم، فإن استعمل عقله وقُواه فيما يُنجيه يوم القيامة ؛ كان من الذين يُؤتون كتابهم بيمينهم، ولا يظلمون فتيلاً. ومن أهمل عقله واستعمل قواه في البطالة والهوى، كان من القبيل الذي عاش في الدنيا أعمى، ويكون في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، والعياذ بالله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١١
قلت :﴿وإن﴾ : مخففة من الثقيلة في الموضعين، واسمها : ضمير الشأن، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، أي : إن الشأن قاربوا أن يفتنوك. و ﴿سُنَّة﴾ : مفعول مطلق، أي : سنَّ الله ذلك سنة.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإِن كادُوا﴾ أي : كفار العرب، ﴿ليَفتنونُك عن الذي أوحينا إِليك﴾ ؛ من أمرنا ونهينا، ووعدنا ووعيدنا، ﴿لتفتريَ علينا غيره﴾ ؛ لتقول ما لم أقل لك، مما اقترحوا عليك. نزلت في ثقيف، إذ قالوا للنَّبي ﷺ : لا نَدْخُلُ في أَمْركَ حتى تُعْطِينَا خِصَالاً نَفْتَخِرُ بها على العَرَبِ : لا نُعشَّرُ، وَلا نُحشَّرُ، وَلاَ نَحْنِي في صَلاَتِنَا، وكُلُّ رِبًا لنَا فهُو لنَا، وكلُّ رِبًا عَلَيْنَا فهو مَوْضُوعٌ، وأنْ تُمَتِّعنا باللات سَنَةً، وأن تُحَرِّمَ وَادِيَنا كما حرمت مكة، فإذا قالت العَرَبُ : لِمَ فَعَلْتَ ؟ فقُل : الله أَمَرَنِي بذلك. فأبى عليهم رسولُ الله ﷺ، وخيب سعيهم. فالآية، على هذا، مدنية. وقيل : في قريش، قالوا للنبي ﷺ : لا نُمكنك من استلام الحجر، حتى تلمّ بآلهتنا، وتمسّها بيدك. وقيل : قالوا : اقبل بعض أمرنا، نقبل بعض أمرك، والآية، حينئذ، مكية كجميع السورة.