﴿وإِذًا لاتخذوكَ خليلاً﴾ أي : لو فعلت ما أرادوا منك لصرت لهم وليًا وحبيبًا، ولخرجت من ولايتي، ﴿ولولا أن ثبتناك﴾ على ما أنت عليه من الحق ؛ بعصمتنا لك، ﴿لقد كِدتَ تركنُ إليهم شيئًا قليلاً﴾ من الركون، الذي هو أدنى ميل، أي : لولا أن
١١٣
عصمناك، لقاربت أن تميل إليهم ؛ لقوة خدعهم، وشدة احتيالهم. لكن عصمتنا منعتك من المقاربة. وهو صريح في أنه - عليه الصلاة والسلام - ما هَمَّ بإجابتهم، مع قوة الداعي إليها، ولا قارب ذلك. وهو دليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه، قاله البيضاوي. وفيه رد على ابن عطية، حيث قال : قيل : إنه هَمَّ بموافقتهم، لكن كان ذلك خطرة، والصواب : عدم ذلك ؛ لأن التثبيت والعصمة مانعٌ من ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٣
وقد أجاد القشيري في ذلك، ونصه : ضربنا عليكَ سرادقات العصمة، وآويناكَ في كنف الرعاية، وحفظناك عن خطر اتباع هواك، فالزَّلَلُ منك محال، والافتراءُ في نعتك غير موهوم، ولو جَنَحْتَ لحظةً إلى جانب الخلاف لَتَضَاعَفَتْ عليكَ شدائدُ البلاء ؛ لكمالِ قَدْرِك وعُلُوِّ شأنك ؛ فإنَّ كل مَنْ هو أعلى درجةً فَذَنْبُه - لو حصل - أشدُّ تأثيرًا. ﴿ولولا أن ثبتناك...﴾ الآية : لو وكلناك ونَفسَكَ، ورفعنا عنك ظِلَّ العصمة، لقاربت الإلمام بشيء مما لا يجوز من مخالفة أمرنا، ولكِنَّا أفردناك بالحفظ، بما لا تتقاصر عنكَ آثاره، ولا تَغْرُبُ عن ساحتك أنواره. ﴿إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وضَعْف الممات﴾، هبوط الأكابر على قدر صعودهم. هـ.